الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1753 وحدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن عوف بن مالك قال قتل رجل من حمير رجلا من العدو فأراد سلبه فمنعه خالد بن الوليد وكان واليا عليهم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عوف بن مالك فأخبره فقال لخالد ما منعك أن تعطيه سلبه قال استكثرته يا رسول الله قال ادفعه إليه فمر خالد بعوف فجر بردائه ثم قال هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغضب فقال لا تعطه يا خالد لا تعطه يا خالد هل أنتم تاركون لي أمرائي إنما مثلكم ومثلهم كمثل رجل استرعي إبلا أو غنما فرعاها ثم تحين سقيها فأوردها حوضا فشرعت فيه فشربت صفوه وتركت كدره فصفوه لكم وكدره عليهم وحدثني زهير بن حرب حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي قال خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة ورافقني مددي من اليمن وساق الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه غير أنه قال في الحديث قال عوف فقلت يا خالد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل قال بلى ولكني استكثرته

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( عن عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال : قتل رجل من حمير رجلا من العدو ، فأراد سلبه ، فمنعه خالد بن الوليد ، وكان واليا عليهم ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عوف بن مالك فأخبره ، فقال لخالد : ما منعك أن تعطيه سلبه ؟ قال : استكثرته يا رسول الله ، قال ادفعه إليه ، فمر خالد بعوف فجر بردائه ، فقال : هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستغضب ، فقال : لا تعطه يا خالد لا تعطه يا خالد هل أنتم تاركون لي أمرائي ؟ ) إلى آخره ، هذه القضية جرت في غزوة مؤتة سنة ثمان كما بينه في الرواية التي بعد هذه . وهذا الحديث قد يستشكل من حيث إن القاتل قد استحق السلب ، فكيف منعه إياه ؟ ويجاب عنه بوجهين :

                                                                                                                أحدهما : لعله أعطاه بعد ذلك للقاتل ، وإنما أخره تعزيرا له ولعوف بن مالك لكونهما [ ص: 419 ] أطلقا ألسنتهما في خالد - رضي الله عنه - وانتهكا حرمة الوالي ومن ولاه .

                                                                                                                الوجه الثاني : لعله استطاب قلب صاحبه فتركه صاحبه باختياره ، وجعله للمسلمين ، وكان المقصود بذلك استطابة قلب خالد - رضي الله عنه - للمصلحة في إكرام الأمراء .

                                                                                                                قوله : ( فاستغضب فقال : لا تعطه يا خالد ) فيه جواز القضاء في حال الغضب ونفوذه ، وأن النهي للتنزيه لا للتحريم ، وقد سبقت المسألة في كتاب الأقضية قريبا واضحة .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( هل أنتم تاركون لي أمرائي ) هكذا هو في بعض النسخ ( تاركوا ) بغير نون ، وفي بعضها ( تاركون ) بالنون ، وهذا هو الأصل ، والأول صحيح أيضا ، وهي لغة معروفة ، وقد جاءت بها أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم : لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا وقد سبق بيانه في كتاب الإيمان .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم في صفة الأمراء والرعية : ( فصفوه لكم ) يعني الرعية ( وكدره عليهم ) يعني : على الأمراء ، قال أهل اللغة : ( الصفو ) هنا بفتح الصاد لا غير ، وهو الخالص ، فإذا ألحقوه الهاء فقالوا : الصفوة ، كانت الصاد مضمومة ومفتوحة ومكسورة ثلاث لغات . ومعنى الحديث : أن الرعية يأخذون صفو الأمور ، فتصلهم أعطياتهم بغير نكد ، وتبتلى الولاة بمقاساة الأمور ، وجمع الأموال على وجوهها ، وصرفها في وجوهها ، وحفظ الرعية والشفقة عليهم ، والذب عنهم ، وإنصاف بعضهم من بعض ، ثم متى وقع علقة أو عتب في بعض ذلك توجه على الأمراء دون الناس .

                                                                                                                قوله : ( غزوة مؤتة ) هي بضم الميم ثم همزة ساكنة ويجوز ترك الهمز كما في نظائره ، وهي قرية معروفة في طرف الشام عند الكرك .

                                                                                                                قوله : ( ورافقني مددي ) يعني : رجل من المدد ، والذين جاءوا يمدون جيش مؤتة ويساعدونهم .




                                                                                                                الخدمات العلمية