الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1754 حدثنا زهير بن حرب حدثنا عمر بن يونس الحنفي حدثنا عكرمة بن عمار حدثني إياس بن سلمة حدثني أبي سلمة بن الأكوع قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن فبينا نحن نتضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه ثم انتزع طلقا من حقبه فقيد به الجمل ثم تقدم يتغدى مع القوم وجعل ينظر وفينا ضعفة ورقة في الظهر وبعضنا مشاة إذ خرج يشتد فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه وقعد عليه فأثاره فاشتد به الجمل فاتبعه رجل على ناقة ورقاء قال سلمة وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي فضربت رأس الرجل فندر ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقال من قتل الرجل قالوا ابن الأكوع قال له سلبه أجمع [ ص: 420 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 420 ] قوله : ( فبينا نحن نتضحى ) أي : نتغدى ، مأخوذ من ( الضحاء ) بالمد وفتح الضاد وهو بعد امتداد النهار وفوق الضحى بالضم والقصر .

                                                                                                                قوله : ( ثم انتزع طلقا من حقبه ) أما ( الطلق ) فبفتح الطاء واللام وبالقاف وهو العقال من جلد ، وأما قوله : ( من حقبه ) فهو بفتح الحاء والقاف ، وهو حبل الشد على حقو البعير ، قال القاضي : لم يرو هذا الحرف إلا بفتح القاف ، قال : وكان بعض شيوخنا يقول بإسكانها أي مما احتقب خلفه وجعله في حقيبته ، وهي الرفادة في مؤخرة القتب ، ووقع هذا الحرف في سنن أبي داود ( حقوه ) وفسره بمؤخره ، قال القاضي : والأشبه عندي أن يكون في هذه الرواية ( حجزته وحزامه ) والحقو : معقد الإزار من الرجل ، وبه سمي الإزار حقوا . ووقع في رواية السمرقندي - رضي الله عنه - في مسلم ( من جعبته ) بالجيم والعين ، فإن صح ولم يكن تصحيفا فله وجه بأن علقه بجعبة سهامه ، وأدخله فيها .

                                                                                                                قوله : ( وفينا ضعفة ورقة ) ضبطوه على وجهين : الصحيح المشهور ورواية الأكثرين بفتح الضاد وإسكان العين ، أي حالة ضعف وهزال ، قال القاضي : وهذا الوجه هو الصواب .

                                                                                                                والثاني : بفتح العين جمع ضعيف ، وفي بعض النسخ : ( وفينا ضعف ) بحذف الهاء .

                                                                                                                قوله : ( خرج يشتد ) أي : يعدو .

                                                                                                                وقوله : ( ثم أناخه فقعد عليه ثم أثاره ) أي : ركبه ثم بعثه قائما .

                                                                                                                قوله : ( ناقة ورقاء ) أي في لونها سواد كالغبرة .

                                                                                                                قوله : ( فاخترطت سيفي ) أي : سللته .

                                                                                                                قوله : ( فضربت رأس الرجل فندر ) هو بالنون أي سقط .

                                                                                                                قوله : ( فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم - والناس معه - فقال : من قتل الرجل ؟ قالوا : ابن [ ص: 421 ] الأكوع ، قال : له سلبه أجمع ) فيه استقبال السرايا ، والثناء على من فعل جميلا ، وفيه قتل الجاسوس الكافر الحربي ، وهو كذلك بإجماع المسلمين . وفي رواية النسائي : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمرهم بطلبه وقتله ، وأما الجاسوس المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي : يصير ناقضا للعهد ، فإن رأى استرقاقه أرقه ، ويجوز قتله ، وقال جماهير العلماء : لا ينتقض عهده بذلك ، قال أصحابنا : إلا أن يكون قد شرط عليه انتقاض العهد بذلك ، وأما الجاسوس المسلم فقال الشافعي والأوزاعي وأبو حنيفة وبعض المالكية وجماهير العلماء رحمهم الله تعالى : يعزره الإمام بما يرى من ضرب وحبس ونحوهما ، ولا يجوز قتله ، وقال مالك - رحمه الله تعالى - : يجتهد فيه الإمام ، ولم يفسر الاجتهاد ، وقال القاضي عياض رحمه الله : قال كبار أصحابه يقتل ، قال : واختلفوا في تركه بالتوبة ، قال الماجشون : إن عرف بذلك قتل ، وإلا عزر .

                                                                                                                وفي هذا الحديث دلالة ظاهرة لمذهب الشافعي وموافقيه أن القاتل يستحق السلب ، وأنه لا يخمس ، وقد سبق إيضاح هذا كله .

                                                                                                                وفيه استحباب مجانسة الكلام إذ لم يكن فيه تكلف ولا فوات مصلحة . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية