الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم من الشجر والثمر حين استغنوا عنها بالفتوح

                                                                                                                1771 وحدثني أبو الطاهر وحرملة قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال لما قدم المهاجرون من مكة المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء وكان الأنصار أهل الأرض والعقار فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كل عام ويكفونهم العمل والمئونة وكانت أم أنس بن مالك وهي تدعى أم سليم وكانت أم عبد الله بن أبي طلحة كان أخا لأنس لأمه وكانت أعطت أم أنس رسول الله صلى الله عليه وسلم عذاقا لها فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد قال ابن شهاب فأخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قتال أهل خيبر وانصرف إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم قال فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمي عذاقها وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن مكانهن من حائطه قال ابن شهاب وكان من شأن أم أيمن أم أسامة بن زيد أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب وكانت من الحبشة فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما توفي أبوه فكانت أم أيمن تحضنه حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقها ثم أنكحها زيد بن حارثة ثم توفيت بعد ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( لما قدم المهاجرون من مكة المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء ، وكان الأنصار أهل الأرض والعقار فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كل عام ، ويكفونهم العمل والمئونة ) ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قتال أهل خيبر ، وانصرف إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم ، قال العلماء : لما قدم المهاجرون آثرهم الأنصار بمنائح من أشجارهم ، فمنهم من قبلها منيحة محضة ، ومنهم من قبلها بشرط أن يعمل في الشجر والأرض وله نصف الثمار ، ولم تطب نفسه أن يقبلها منيحة محضة ، هذا لشرف نفوسهم وكراهتهم أن يكونوا كلا ، وكان هذا مساقاة ، وفي معنى المساقاة ، فلما فتحت عليهم خيبر استغنى المهاجرون بأنصبائهم فيها عن تلك المنائح ، فردوها إلى الأنصار ، ففيه فضيلة ظاهرة للأنصار في مواساتهم وإيثارهم ، وما كانوا عليه من حب الإسلام ، وإكرام أهله ، وأخلاقهم الجميلة ، ونفوسهم الطاهرة ، وقد شهد الله تعالى لهم بذلك فقال تعالى : والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم الآية .

                                                                                                                [ ص: 445 ] قوله : ( وكان الأنصار أهل الأرض والعقار ) أراد بالعقار هنا النخل ، قال الزجاج : العقار كل ما له أصل ، قال : وقيل : إن النخل خاصة يقال له : العقار .

                                                                                                                قوله : ( وكانت أعطت أم أنس رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أيمن ) هذا دليل لما قدمنا عن العلماء أنه لم يكن كل ما أعطت الأنصار على المساقاة ، بل كان فيه ما هو منيحة ومواساة وهذا منه ، وهو محمول على أنها أعطته صلى الله عليه وسلم ثمارها يفعل فيها ما شاء من أكله بنفسه وعياله وضيفه وإيثاره بذلك لمن شاء ، فلهذا آثر بها أم أيمن ، ولو كانت إباحة له خاصة لما أباحها لغيره ، لأن المباح له بنفسه لا يجوز له أن يبيح ذلك الشيء لغيره ، بخلاف الموهوب له نفس رقبة الشيء فإنه يتصرف فيه كيف شاء .

                                                                                                                قوله : ( رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم ) هذا دليل على أنها كانت منائح ثمار ، أي : إباحة لا تمليك لأرقاب النخل ، فإنها لو كانت هبة لرقبة النخل لم يرجعوا فيها ; فإن الرجوع في الهبة بعد القبض لا يجوز ، وإنما كانت إباحة كما ذكرنا ، والإباحة يجوز الرجوع فيها متى شاء ، ومع هذا لم يرجعوا فيها حتى اتسعت الحال على المهاجرين بفتح خيبر ، واستغنوا عنها ، فردوها على الأنصار فقبلوها ، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم ذلك .

                                                                                                                قوله : ( قال ابن شهاب : وكان من شأن أم أيمن أم أسامة بن زيد أنها كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب وكانت من الحبشة ) هذا تصريح من ابن شهاب أن أم أيمن أم أسامة بن زيد حبشية وكذا قاله الواقدي وغيره ، ويؤيده ما ذكره بعض المؤرخين أنها كانت من سبي الحبشة أصحاب الفيل ، وقيل : إنها لم تكن حبشية ، وإنما الحبشية امرأة أخرى ، واسم أم أيمن التي هي أم أسامة بركة ، كنيت بابنها أيمن بن عبيد الحبشي ، صحابي استشهد يوم خيبر ، قاله الشافعي وغيره ، وقد سبق ذكر قطعة من أحوال أم أيمن في باب القافة .




                                                                                                                الخدمات العلمية