الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                2055 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة بن سوار حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن المقداد قال أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس أحد منهم يقبلنا فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق بنا إلى أهله فإذا ثلاثة أعنز فقال النبي صلى الله عليه وسلم احتلبوا هذا اللبن بيننا قال فكنا نحتلب فيشرب كل إنسان منا نصيبه ونرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه قال فيجيء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ويسمع اليقظان قال ثم يأتي المسجد فيصلي ثم يأتي شرابه فيشرب فأتاني الشيطان ذات ليلة وقد شربت نصيبي فقال محمد يأتي الأنصار فيتحفونه ويصيب عندهم ما به حاجة إلى هذه الجرعة فأتيتها فشربتها فلما أن وغلت في بطني وعلمت أنه ليس إليها سبيل قال ندمني الشيطان فقال ويحك ما صنعت أشربت شراب محمد فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك فتذهب دنياك وآخرتك وعلي شملة إذا وضعتها على قدمي خرج رأسي وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي وجعل لا يجيئني النوم وأما صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت قال فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسلم كما كان يسلم ثم أتى المسجد فصلى ثم أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا فرفع رأسه إلى السماء فقلت الآن يدعو علي فأهلك فقال اللهم أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني قال فعمدت إلى الشملة فشددتها علي وأخذت الشفرة فانطلقت إلى الأعنز أيها أسمن فأذبحها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هي حافلة وإذا هن حفل كلهن فعمدت إلى إناء لآل محمد صلى الله عليه وسلم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه قال فحلبت فيه حتى علته رغوة فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أشربتم شرابكم الليلة قال قلت يا رسول الله اشرب فشرب ثم ناولني فقلت يا رسول الله اشرب فشرب ثم ناولني فلما عرفت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي وأصبت دعوته ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم إحدى سوآتك يا مقداد فقلت يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا وفعلت كذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه إلا رحمة من الله أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها قال فقلت والذي بعثك بالحق ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك من أصابها من الناس وحدثنا إسحق بن إبراهيم أخبرنا النضر بن شميل حدثنا سليمان بن المغيرة بهذا الإسناد

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( أقبلت أنا وصاحبان لي ، وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد ، فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فليس أحد يقبلنا ، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق بنا ) .

                                                                                                                أما قوله : ( الجهد ) فهو بفتح الجيم ، وهو الجوع والمشقة ، وقد سبق في أول الباب .

                                                                                                                وقوله : ( فليس أحد يقبلنا ) هذا محمول على أن الذين عرضوا أنفسهم عليهم كانوا مقلين ليس عندهم شيء يواسون به .

                                                                                                                قوله : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيء من الليل ، فيسلم تسليما لا يوقظ نائما ، ويسمع اليقظان ) [ ص: 211 ] هذا فيه آداب السلام على الأيقاظ في موضع فيه نيام ، أو من في معناهم ، وأنه يكون سلاما متوسطا بين الرفع والمخافتة ، بحيث يسمع الأيقاظ ، ولا يهوش على غيرهم .

                                                                                                                قوله : ( ما به حاجة إلى هذه الجرعة ) هي بضم الجيم وفتحها ، حكاهما ابن السكيت وغيره ، وهي الحثوة من المشروب ، والفعل منه ( جرعت ) بفتح الجيم وكسر الراء .

                                                                                                                قوله : ( وغلت في بطني ) بالغين المعجمة المفتوحة أي دخلت وتمكنت منه .

                                                                                                                قوله : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا فقال : اللهم أطعم من أطعمني ، واسق من أسقاني ) فيه الدعاء للمحسن والخادم ، ولمن سيفعل خيرا ، وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الحلم ، والأخلاق المرضية ، والمحاسن المرضية ، وكرم النفس ، والصبر ، والإغضاء عن حقوقه ؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لم يسأل عن نصيبه من اللبن .

                                                                                                                قوله في الأعنز : ( إذا هن حفل كلهن ) هذه من معجزات النبوة وآثار بركته صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                قوله : ( فحلبت فيه حتى علته رغوة ) هي زبد اللبن الذي يعلوه ، وهي بفتح الراء وضمها وكسرها ، ثلاث لغات مشهورات ، ورغاوة بكسر الراء ، وحكي ضمها ، و ( رغاية ) بالضم ، وحكي الكسر . وارتغيت شربت الرغوة .

                                                                                                                [ ص: 212 ] قوله : ( فلما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي ، وأصبت دعوته ، ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إحدى سوآتك يا مقداد ؟ ) معناه أنه كان عنده حزن شديد خوفا من أن يدعو عليه النبي صلى الله عليه وسلم لكونه أذهب نصيب النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعرض لأذاه ، فلما علم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي ، وأجيبت دعوته ، فرح وضحك حتى سقط إلى الأرض من كثرة ضحكه لذهاب ما كان به من الحزن ، وانقلابه سرورا بشرب النبي صلى الله عليه وسلم ، وإجابة دعوته لمن أطعمه وسقاه ، وجريان ذلك على يد المقداد ، وظهور هذه المعجزة ، ولتعجبه من قبح فعله أولا ، وحسنه آخرا ، ولهذا قال ( صلى الله عليه وسلم : ( إحدى سوآتك يا مقداد ) أي إنك فعلت سوأة من الفعلات ما هي ؟ فأخبره خبره ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما هذه إلا رحمة من الله تعالى ، أي إحداث هذا اللبن في غير وقته ، وخلاف عادته ، وإن كان الجميع من فضل الله تعالى .




                                                                                                                الخدمات العلمية