الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                2263 حدثنا محمد بن أبي عمر المكي حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءا من النبوة والرؤيا ثلاثة فرؤيا الصالحة بشرى من الله ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا مما يحدث المرء نفسه فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس قال وأحب القيد وأكره الغل والقيد ثبات في الدين فلا أدري هو في الحديث أم قاله ابن سيرين وحدثني محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب بهذا الإسناد وقال في الحديث قال أبو هريرة فيعجبني القيد وأكره الغل والقيد ثبات في الدين وقال النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة حدثني أبو الربيع حدثنا حماد يعني ابن زيد حدثنا أيوب وهشام عن محمد عن أبي هريرة قال إذا اقترب الزمان وساق الحديث ولم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم وحدثناه إسحق بن إبراهيم أخبرنا معاذ بن هشام حدثنا أبي عن قتادة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأدرج في الحديث قوله وأكره الغل إلى تمام الكلام ولم يذكر الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب ) قال الخطابي وغيره : قيل : المراد إذا قارب الزمان أن يعتدل ليله ونهاره ، وقيل : المراد إذا قارب القيامة ، والأول أشهر عند أهل غير الرؤيا ، وجاء في حديث ما يؤيد الثاني . والله أعلم .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ) ظاهره أنه على إطلاقه ، وحكى القاضي عن بعض العلماء أن هذا يكون في آخر الزمان عند انقطاع العلم وموت العلماء والصالحين ومن يستضاء بقوله [ ص: 423 ] وعمله ، فجعله الله تعالى جابرا وعوضا ومنبها لهم ، والأول أظهر ؛ لأن غير الصادق في حديثه يتطرق الخلل إلى رؤياه وحكايته إياها .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة ) وفي رواية : ( رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ) وفي رواية : ( الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ) وفي رواية : ( رؤيا الرجل الصالح جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة ) وفي رواية : ( الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة ) فحصل ثلاث روايات ، المشهور ستة وأربعون ، والثانية خمسة وأربعون ، والثالثة سبعون جزءا . وفي غير مسلم من رواية ابن عباس ( من أربعين جزءا ) وفي رواية : ( من تسعة وأربعين ) وفي رواية العباس ( من خمسين ) ومن رواية ابن عمر ( من ستة وعشرين ) ومن رواية عبادة ( من أربعة وأربعين ) .

                                                                                                                قال القاضي : أشار الطبري إلى أن هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف حال الرائي ، فالمؤمن الصالح تكون رؤياه جزءا من ستة وأربعين جزءا ، والفاسق جزءا من سبعين جزءا ، وقيل : المراد أن الخفي منها جزء من سبعين ، والجلي جزء من ستة وأربعين .

                                                                                                                قال الخطابي وغيره : قال بعض العلماء : أقام صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ثلاثا وعشرين سنة ، منها عشر سنين بالمدينة ، وثلاث عشرة بمكة ، وكان قبل ذلك ستة أشهر يرى في المنام الوحي ، وهي جزء من ستة وأربعين جزءا . قال المازري : وقيل : المراد أن للمنامات شبها مما حصل له وميز به النبوة بجزء من ستة وأربعين جزءا .

                                                                                                                قال : وقد قدح بعضهم في الأول بأنه لم يثبت أن أمد رؤياه صلى الله عليه وسلم قبل النبوة ستة أشهر ، وبأنه رأى بعد النبوة منامات كثيرة ، فلتضم إلى الأشهر الستة ، حينئذ تتغير النسبة . قال المازري : هذا الاعتراض الثاني باطل ؛ لأن المنامات الموجودة بعد الوحي بأرسال الملك منغمرة في الوحي ، فلم تحسب . قال : ويحتمل أن يكون المراد أن المنام فيه إخبار الغيب ، وهو إحدى ثمرات النبوة ، وهو ليس في حد النبوة ؛ لأنه يجوز أن يبعث الله تعالى نبيا ليشرع الشرائع ، ويبين الأحكام ، ولا يخبر بغيب أبدا ، ولا يقدح ذلك في نبوته ، ولا يؤثر في مقصودها ، وهذا الحديث توكيد لأمر الرؤيا وتحقيق منزلتها ، وقال : وإنما كانت جزءا من أجزاء النبوة في حق الأنبياء دون غيرهم ، وكان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يوحى إليهم في منامهم كما يوحى إليهم في اليقظة قال الخطابي : وقال بعض العلماء : معنى الحديث أن الرؤيا تأتي على موافقة النبوة ، لأنها جزء باق من النبوة . والله أعلم .

                                                                                                                [ ص: 424 ] قوله : ( وأحب القيد ، وأكره الغل ، والقيد ثبات في الدين ) قال العلماء : إنما أحب القيد لأنه في الرجلين ، وهو كف عن المعاصي والشرور وأنواع الباطل . وأما الغل فموضعه العنق ، وهو صفة أهل النار . قال الله تعالى إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا وقال الله تعالى : إذ الأغلال في أعناقهم .

                                                                                                                وأما أهل العبارة فنزلوا هاتين اللفظتين منازل ، فقالوا : إذا رأى القيد في رجليه وهو في مسجد أو مشهد خير أو على حالة حسنة فهو دليل لثباته في ذلك ، وكذا لو رآه صاحب ولاية كان دليلا لثباته فيها ، ولو رآه مريض أو مسجون أو مسافر أو مكروب كان دليلا لثباته فيه .

                                                                                                                قالوا : ولو قارنه مكروه بأن يكون مع القيد غل غلب المكروه لأنها صفة المعذبين . وأما الغل فهو مذموم إذا كان في العنق ، وقد يدل للولايات إذا كان معه قرائن ، كما كل وال يحشر مغلولا حتى يطلقه عدله . فأما إن كان مغلول اليدين دون العنق فهو حسن ، ودليل لكفهما عن الشر ، وقد يدل على بخلهما ، وقد يدل على منع ما نواه من الأفعال .




                                                                                                                الخدمات العلمية