الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                2273 حدثني محمد بن سهل التميمي حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن عبد الله بن أبي حسين حدثنا نافع بن جبير عن ابن عباس قال قدم مسيلمة الكذاب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فجعل يقول إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته فقدمها في بشر كثير من قومه فأقبل إليه النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريدة حتى وقف على مسيلمة في أصحابه قال لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن أتعدى أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنك الله وإني لأراك الذي أريت فيك ما أريت وهذا ثابت يجيبك عني ثم انصرف عنه فقال ابن عباس فسألت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم إنك أرى الذي أريت فيك ما أريت فأخبرني أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما فأوحي إلي في المنام أن انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي فكان أحدهما العنسي صاحب صنعاء والآخر مسيلمة صاحب اليمامة

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( أن مسيلمة الكذاب ورد المدينة في عدد كثير ، فجاء إليه النبي صلى الله عليه وسلم ) قال العلماء : إنما جاءه تألفا له ولقومه رجاء إسلامهم ، وليبلغ ما أنزل إليه . قال القاضي : ويحتمل أن سبب مجيئه إليه أن مسيلمة قصده من بلده للقائه ، فجاءه مكافأة له . قال : وكان مسيلمة إذ ذاك يظهر الإسلام ، وإنما ظهر كفره وارتداده بعد ذلك . قال : وقد جاء في حديث آخر أنه هو أتى النبي صلى الله عليه وسلم فيحتمل أنهما مرتان .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم لمسيلمة : ( ولن أتعدى أمر الله فيك ) فهكذا وقع في جميع نسخ مسلم .

                                                                                                                ووقع في البخاري ( ولن تعدو أمر الله فيك ) قال القاضي : هما صحيحان . فمعنى الأول لن أعدو أنا أمر الله فيك من أني لا أجيبك إلى ما طلبته مما لا ينبغي لك من الاستخلاف أو المشاركة ، ومن أني أبلغ ما أنزل إلي ، وأدفع أمرك بالتي هي أحسن . ومعنى الثاني ولن تعدو [ ص: 434 ] أنت أمر الله في خيبتك فيما أملته من النبوة ، وهلاكك دون ذلك ، أو فيما سبق من قضاء الله تعالى وقدره في شقاوتك . والله أعلم .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولئن أدبرت ليعقرنك الله ) أي إن أدبرت عن طاعتي ليقتلنك الله . والعقر القتل وعقروا الناقة قتلوها . وقتله الله تعالى يوم اليمامة . وهذا من معجزات النبوة .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( وهذا ثابت يجيبك عني ) قال العلماء كان ثابت بن قيس خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يجاوب الوفود عن خطبهم وتشدقهم .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( فأولتهما كذابين يخرجان بعدي ، فكان أحدهما العنسي صاحب صنعاء ، والآخر مسيلمة صاحب اليمامة ) قال العلماء : المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : " يخرجان بعدي " أي يظهران شوكتهما أو محاربتهما ودعواهما النبوة ، وإلا فقد كانا في زمنه .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( رأيت في يدي سوارين ) وفي الرواية الأخرى : ( فوضع في يدي أسوارين ) قال أهل اللغة : يقال : ( سوار ) بكسر السين وضمها ، و ( أسوار ) بضم الهمز ، ثلاث لغات . ووقع في جميع النسخ في الرواية الثانية ( أسوارين ) فيكون وضع بفتح الواو والضاد ، وفيه ضمير الفاعل ، أي وضع الآتي بخزائن الأرض في يدي أسوارين ، فهذا هو الصواب . وضبطه بعضهم ( فوضع ) بضم الواو ، وهو ضعيف لنصب أسوارين ، وإن كان يتخرج على وجه ضعيف . وقوله : ( يدي ) هو بتشديد الياء على التثنية .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( فأوحي إلي أن انفخهما ) هو بالخاء المعجمة . ونفخه صلى الله عليه وسلم إياهما فطارا دليل لانمحاقهما واضمحلال أمرهما ، وكان كذلك ، وهو من المعجزات .




                                                                                                                الخدمات العلمية