الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه

                                                                                                                2866 حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة [ ص: 323 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 323 ] ( باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه )

                                                                                                                اعلم أن مذهب أهل السنة إثبات عذاب القبر ، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة ، قال الله تعالى : النار يعرضون عليها غدوا وعشيا الآية وتظاهرت به الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية جماعة من الصحابة في مواطن كثيرة ، ولا يمتنع في العقل أن يعيد الله تعالى الحياة في جزء من الجسد ويعذبه ، وإذا لم يمنعه العقل وورد الشرع به وجب قبوله واعتقاده ، وقد ذكر مسلم هنا أحاديث كثيرة في إثبات عذاب القبر ، وسماع النبي صلى الله عليه وسلم صوت من يعذب فيه ، وسماع الموتى قرع نعال دافنيهم ، وكلامه صلى الله عليه وسلم لأهل القليب ، وقوله : ما أنتم بأسمع منهم ، وسؤال الملكين الميت ، وإقعادهما إياه ، وجوابه لهما ، والفسح له في قبره ، وعرض مقعده عليه بالغداة والعشي ، وسبق معظم شرح هذا في كتاب الصلاة ، وكتاب الجنائز ، والمقصود أن مذهب أهل السنة إثبات عذاب القبر كما ذكرنا خلافا للخوارج ، ومعظم المعتزلة ، وبعض المرجئة نفوا ذلك ، ثم المعذب عند أهل السنة الجسد بعينه أو بعضه بعد إعادة الروح إليه أو إلى جزء منه ، وخالف فيه محمد بن [ ص: 324 ] جرير وعبد الله بن كرام وطائفة فقالوا : لا يشترط إعادة الروح ، قال أصحابنا : هذا فاسد ; لأن الألم والإحساس إنما يكون في الحي ، قال أصحابنا : ولا يمنع من ذلك كون الميت تفرقت أجزاؤه كما نشاهد في العادة أو أكلته السباع أو حيتان البحر أو نحو ذلك ، فكما أن الله تعالى يعيده للحشر وهو سبحانه وتعالى قادر على ذلك ، فكذا يعيد الحياة إلى جزء منه أو أجزاء وإن أكلته السباع والحيتان ، فإن قيل فنحن نشاهد الميت على حاله في قبره ، فكيف يسأل ويقعد ويضرب بمطارق من حديد ، ولا يظهر له أثر ؟ فالجواب أن ذلك غير ممتنع ، بل له نظير في العادة وهو النائم ، فإنه يجد لذة وآلاما لا نحس نحن شيئا منها ، وكذا يجد اليقظان لذة وألما لما يسمعه أو يفكر فيه ولا يشاهد ذلك جالسوه منه ، وكذا كان جبرائيل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره بالوحي الكريم ولا يدركه الحاضرون ، وكل هذا ظاهر جلي ، قال أصحابنا : وأما إقعاده المذكور في الحديث فيحتمل أن يكون مختصا بالمقبور دون المنبوذ ، ومن أكلته السباع والحيتان ، وأما ضربه بالمطارق فلا يمتنع أن يوسع له في قبره فيقعد ويضرب . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( مقعدك حتى يبعثك الله ) هذا تنعيم للمؤمن وتعذيب للكافر .




                                                                                                                الخدمات العلمية