الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                2931 حدثني حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي أخبرني ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عمر أخبره أن عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط قبل ابن صياد حتى وجده يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صياد أتشهد أني رسول الله فنظر إليه ابن صياد فقال أشهد أنك رسول الأميين فقال ابن صياد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتشهد أني رسول الله فرفضه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال آمنت بالله وبرسله ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا ترى قال ابن صياد يأتيني صادق وكاذب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خلط عليك الأمر ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قد خبأت لك خبيئا فقال ابن صياد هو الدخ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اخسأ فلن تعدو قدرك فقال عمر بن الخطاب ذرني يا رسول الله أضرب عنقه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يكنه فلن تسلط عليه وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله وقال سالم بن عبد الله سمعت عبد الله بن عمر يقول انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب الأنصاري إلى النخل التي فيها ابن صياد حتى إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل طفق يتقي بجذوع النخل وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه ابن صياد فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراش في قطيفة له فيها زمزمة فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتقي بجذوع النخل فقالت لابن صياد يا صاف وهو اسم ابن صياد هذا محمد فثار ابن صياد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تركته بين قال سالم قال عبد الله بن عمر فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال إني لأنذركموه ما من نبي إلا وقد أنذره قومه لقد أنذره نوح قومه ولكن أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلموا أنه أعور وأن الله تبارك وتعالى ليس بأعور قال ابن شهاب وأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حذر الناس الدجال إنه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه من كره عمله أو يقرؤه كل مؤمن وقال تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت حدثنا الحسن بن علي الحلواني وعبد بن حميد قالا حدثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه رهط من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب حتى وجد ابن صياد غلاما قد ناهز الحلم يلعب مع الغلمان عند أطم بني معاوية وساق الحديث بمثل حديث يونس إلى منتهى حديث عمر بن ثابت وفي الحديث عن يعقوب قال قال أبي يعني في قوله لو تركته بين قال لو تركته أمه بين أمره وحدثنا عبد بن حميد وسلمة بن شبيب جميعا عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بابن صياد في نفر من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب وهو يلعب مع الغلمان عند أطم بني مغالة وهو غلام بمعنى حديث يونس وصالح غير أن عبد بن حميد لم يذكر حديث ابن عمر في انطلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بن كعب إلى النخل

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله في رواية حرملة : ( عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر أن عمر [ ص: 368 ] انطلق ) هكذا هو في جميع النسخ ، وحكى القاضي أنه سقط في نسخة ابن ماهان ذكر ابن عمر ، وصار عنده منقطعا . قال هو وغيره : والصواب رواية الجمهور متصلا بذكر ابن عمر .

                                                                                                                قوله : ( عند أطم بني مغالة ) هكذا هو في بعض النسخ : ( بني مغالة ) ، وفي بعضها ( ابن مغالة ) ، والأول هو المشهور . والمغالة بفتح الميم وتخفيف الغين المعجمة . وذكر مسلم في رواية الحسن الحلواني التي بعد هذه أنه أطم بني معاوية بضم الميم وبالعين المهملة . قال العلماء : المشهور المعروف هو الأول . قال القاضي : وبنو مغالة كل ما كان على يمينك إذا وقفت آخر البلاط مستقبل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والأطم بضم الهمزة والطاء هو الحصن جمعه آطام .

                                                                                                                قوله : ( فرفضه ) هكذا هو في أكثر نسخ بلادنا : ( فرفضه ) بالضاد المعجمة ، وقال القاضي : روايتنا فيه عن الجماعة بالصاد المهملة . قال بعضهم : الرفص بالصاد المهملة الضرب بالرجل مثل الرفس بالسين . قال : فإن صح هذا فهو معناه . قال : لكن لم أجد هذه اللفظة في أصول اللغة . قال : ووقع في رواية القاضي التميمي . ( فرفضه ) بضاد معجمة ، وهو وهم . قال : وفي البخاري من رواية المروزي : ( فرقصه ) بالقاف والصاد المهملة ، ولا وجه له . وفي البخاري في كتاب الأدب ( فرفضه ) بضاد معجمة . قال : ورواه الخطابي في غريبه : ( فرصه ) بصاد مهملة ، أي ضغطه حتى ضم بعضه إلى بعض ، ومنه قوله تعالى بنيان مرصوص قلت : ويجوز أن يكون معنى ( رفضه ) بالمعجمة أي ترك سؤاله الإسلام ليأسه منه حينئذ ، ثم شرع في سؤاله عما يرى . والله أعلم .

                                                                                                                [ ص: 369 ] قوله : ( وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا ) هو بكسر التاء أي يخدع ابن صياد ، ويتغفله ليسمع شيئا من كلامه ، ويعلم هو والصحابة حاله في أنه كاهن أم ساحر ونحوهما .

                                                                                                                وفيه كشف أحوال من تخاف مفسدته .

                                                                                                                وفيه كشف الإمام الأمور المهمة بنفسه . قوله : ( إنه في قطيفة له فيها زمزمة ) القطيفة كساء مخمل سبق بيانها مرات ، وقد وقعت هذه اللفظة في معظم نسخ مسلم ( زمزمة ) بزاءين معجمتين ، وفي بعضها براءين مهملتين ، ووقع في البخاري بالوجهين ، ونقل القاضي عن جمهور رواة مسلم أنه بالمعجمتين ، وأنه في بعضها ( رمزة ) براء أولا وزاي آخرا وحذف الميم الثانية ، وهو صوت خفي لا يكاد يفهم ، أو لا يفهم .

                                                                                                                قوله : ( فثار ابن صياد ) أي نهض من مضجعه وقام .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما من نبي إلا وقد أنذره قومه ، لقد أنذر نوح قومه ) هذا الإنذار لعظم فتنته وشدة أمرها .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( تعلموا أنه أعور ) اتفق الرواة على ضبطه تعلموا بفتح العين واللام المشددة ، وكذا نقله القاضي وغيره عنهم قالوا : ومعناه اعلموا وتحققوا . يقال : تعلم بفتح مشدد بمعنى اعلم .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت ) قال المازري : هذا الحديث فيه تنبيه على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة ، وهو مذهب أهل الحق ، ولو كانت مستحيلة كما يزعم المعتزلة لم يكن للتقييد بالموت معنى ، والأحاديث بمعنى هذا كثيرة سبقت في كتاب الإيمان جملة منها مع آيات من القرآن ، وسبق هناك تقرير المسألة . قال القاضي : ومذهب أهل الحق أنها غير [ ص: 370 ] مستحيلة في الدنيا ، بل ممكنة ، ثم اختلفوا في وقوعها ، ومن منعه تمسك بهذا الحديث مع قوله تعالى : لا تدركه الأبصار على مذهب من تأوله في الدنيا . وكذلك اختلفوا في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء . وللسلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، ثم الأئمة الفقهاء والمحدثين والنظار في ذلك خلاف معروف ، وقال أكثر مانعيها في الدنيا : سبب المنع ضعف قوى الآدمي في الدنيا عن احتمالها كما لم يحتملها موسى صلى الله عليه وسلم في الدنيا . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( ناهز الحلم ) أي قارب البلوغ .




                                                                                                                الخدمات العلمية