الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                302 وحدثني زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اصنعوا كل شيء إلا النكاح فبلغ ذلك اليهود فقالوا ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا فلا نجامعهن فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل في آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                ( باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه )

                                                                                                                فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان ) وفي رواية : فأغسله . وفيه حديث مناولة الخمرة وغيره ، قد تقدم مقصود فقه هذا الباب في الذي قبله . وترجيل الشعر : تسريحه ، وهو نحو قوله : فاغسله ، وأصل الاعتكاف في اللغة : الحبس . وهو في الشرع : حبس النفس في المسجد خاصة مع النية ، وقولها : ( وهو مجاور ) أي معتكف .

                                                                                                                وفي هذا الحديث فوائد كثيرة تتعلق بالاعتكاف ، وسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى ، ومما تقدمه أن فيه : أن المعتكف إذا خرج بعضه من المسجد كيده ورجله ورأسه لم يبطل اعتكافه ، وأن من حلف أن لا يدخل دارا أو لا يخرج منها ، فأدخل أو أخرج بعضه لا يحنث . والله أعلم .

                                                                                                                وفيه : جواز استخدام الزوجة في الغسل والطبخ والخبز وغيرها برضاها ، وعلى هذا تظاهرت [ ص: 540 ] دلائل السنة وعمل السلف وإجماع الأمة ، وأما بغير رضاها فلا يجوز ; لأن الواجب عليها تمكين الزوج من نفسها وملازمة بيته فقط . والله أعلم .

                                                                                                                وقولها : ( قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناوليني الخمرة من المسجد ، فقلت : إني حائض فقال : إن حيضتك ليست في يدك ) أما ( الخمرة ) فبضم الخاء وإسكان الميم ، قال الهروي وغيره هي هذه السجادة ، وهي ما يضع عليه الرجل جزء وجهه في سجوده ، من حصير أو نسيجة من خوص . هكذا قاله الهروي والأكثرون ، وصرح جماعة منهم بأنها لا تكون إلا هذا القدر ، وقال الخطابي : هي السجادة يسجد عليها المصلي ، وقد جاء في سنن أبي داود عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة ، فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخمرة - التي كان قاعدا عليها - فأحرقت منها مثل موضع درهم ، فهذا تصريح بإطلاق الخمرة على ما زاد على قدر الوجه ، وسميت خمرة ، لأنها تخمر الوجه أي تغطيه ، وأصل التخمير : التغطية ، ومنه خمار المرأة ، والخمر ; لأنها تغطي العقل . وقولها : ( من المسجد ) قال القاضي عياض - رضي الله عنه - : معناه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها ذلك من المسجد ، أي وهو في المسجد لتناوله إياها من خارج المسجد ، لا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تخرجها له من المسجد ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان في المسجد معتكفا ، وكانت عائشة في حجرتها وهي حائض لقوله - صلى الله عليه وسلم - : إن حيضتك ليست في يدك ، فإنما خافت من إدخال يدها المسجد ، ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى . والله أعلم .

                                                                                                                وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن حيضتك ليست في يدك ) فهو بفتح الحاء ، هذا هو المشهور في الرواية ، وهو الصحيح . وقال الإمام أبو سليمان الخطابي : المحدثون يقولونها بفتح الحاء ، وهو خطأ ، وصوابها بالكسر أي الحالة والهيئة ، وأنكر القاضي عياض هذا على الخطابي ، وقال : الصواب هنا ما قاله المحدثون من الفتح ; لأن المراد الدم ، وهو [ ص: 541 ] الحيض - بالفتح - بلا شك لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ليست في يدك " معناه أن النجاسة التي يصان المسجد عنها - وهي دم الحيض - ليست في يدك ، وهذا بخلاف حديث أم سلمة ( فأخذت ثياب حيضتي ) ، فإن الصواب فيه الكسر . هذا كلام القاضي عياض ، وهذا الذي اختاره من الفتح هو الظاهر هنا ، ولما قاله الخطابي وجه . والله أعلم وقولها : ( وأتعرق العرق ) هو بفتح العين وإسكان الراء ، وهو العظم الذي عليه بقية من لحم ، هذا هو الأشهر في معناه ، وقال أبو عبيد : هو القدر من اللحم ، وقال الخليل : هو العظم بلا لحم ، وجمعه ( عراق ) بضم العين ، ويقال : عرقت العظم وتعرقته واعترقته إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك . والله أعلم .

                                                                                                                قولها : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن ) فيه جواز قراءة القرآن مضطجعا ومتكئا ، على الحائض وبقرب موضع النجاسة . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( ولم يجامعوهن في البيوت ) أي لم يخالطوهن ولم يساكنوهن في بيت واحد .

                                                                                                                قوله تعالى : ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض أما الحيض الأول : فالمراد به الدم . وأما الثاني : فاختلف فيه ; فمذهبنا أنه الحيض ونفس الدم ، وقال بعض العلماء : هو الفرج ، وقال الآخرون : هو زمن الحيض : والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( فجاء أسيد ابن حضير ) هما بضم أولهما وحضير بالحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة .

                                                                                                                قوله : ( وجد عليهما ) أي غضب . [ ص: 542 ]




                                                                                                                الخدمات العلمية