الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                313 وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي أخبرنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة قالت جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إذا رأت الماء فقالت أم سلمة يا رسول الله وتحتلم المرأة فقال تربت يداك فبم يشبهها ولدها حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا حدثنا وكيع ح وحدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان جميعا عن هشام بن عروة بهذا الإسناد مثل معناه وزاد قالت قلت فضحت النساء وحدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث حدثني أبي عن جدي حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن أم سليم أم بني أبي طلحة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث هشام غير أن فيه قال قالت عائشة فقلت لها أف لك أترى المرأة ذلك

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قولها : ( إن الله لا يستحيي من الحق ) قال العلماء : معناه لا يمتنع من بيان الحق ، وضرب المثل [ ص: 551 ] بالبعوضة وشبهها كما قال سبحانه وتعالى : إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فكذا أنا لا أمتنع من سؤالي عما أنا محتاجة إليه . وقيل : معناه : إن الله لا يأمر بالحياء في الحق ولا يبيحه ، وإنما قالت هذا اعتذارا بين يدي سؤالها عما دعت الحاجة إليه : مما تستحيي النساء - في العادة - من السؤال عنه ، وذكره بحضرة الرجال ، ففيه : أنه ينبغي لمن عرضت له مسألة أن يسأل عنها ، ولا يمتنع من السؤال حياء من ذكرها ، فإن ذلك ليس بحياء حقيقي لأن الحياء خير كله ، والحياء لا يأتي إلا بخير ، والإمساك عن السؤال في هذه الحال ليس بخير ، بل هو شر . فكيف يكون حياء ، وقد تقدم إيضاح هذه المسألة في أوائل كتاب الإيمان وقد قالت عائشة - رضي الله عنها - : نعم النساء نساء الأنصار ، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين . والله أعلم .

                                                                                                                قال أهل العربية : يقال : ( استحيا ) بياء قبل الألف يستحيي بياءين ، ويقال أيضا : يستحي بياء واحدة في المضارع . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( قالت عائشة : فقلت لها أف لك ) معناه : استحقارا لها ولما تكلمت به ، وهي كلمة تستعمل في الاحتقار والاستقذار والإنكار ، قال الباجي : والمراد بها هنا الإنكار ، وأصل الأف : وسخ الأظفار . وفي أف عشر لغات : أف وأف وأف بضم الهمزة مع كسر الفاء ، وفتحها ، وضمها بغير تنوين ، وبالتنوين ; فهذه الستة . والسابعة : إف بكسر الهمزة وفتح الفاء . والثامنة : أف بضم الهمزة وإسكان الفاء . والتاسعة : أفي بضم الهمزة وبالياء . وأفه بالهاء ، وهذه اللغات مشهورات ، ذكرهن كلهن ابن الأنباري ، وجماعات من العلماء ، ودلائلها مشهورة ، ومن أخصرها ما ذكره الزجاج وابن الأنباري ، واختصره أبو البقاء ، فقال : من [ ص: 552 ] كسر بناه على الأصل ، ومن فتح طلب التخفيف ، ومن ضم أتبع ، ومن نون أراد التنكير ، ومن لم ينون أراد التعريف ، ومن خفف الفاء حذف أحد المثلين تخفيفا ، وقال الأخفش وابن الأنباري : في اللغة التاسعة بالياء ، كأنه إضافة إلى نفسه . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية