الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                              صفحة جزء
                                                                              3973 حدثنا محمد بن أبي عمر العدني حدثنا عبد الله بن معاذ عن معمر عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن معاذ بن جبل قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال لقد سألت عظيما وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال ألا أدلك على أبواب الخير الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ النار الماء وصلاة الرجل من جوف الليل ثم قرأ تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى بلغ جزاء بما كانوا يعملون ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه الجهاد ثم قال ألا أخبرك بملاك ذلك كله قلت بلى فأخذ بلسانه فقال تكف عليك هذا قلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به قال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم

                                                                              التالي السابق


                                                                              قوله : ( يدخلني ) من الإدخال وهو بالرفع صفة العمل وإسناد الإدخال إلى العمل مجاز ، أو بالجزم على أنه جزاء شرط محذوف ، أي : إن عملته يدخلني الجنة أو لأنه جواب الأمر ؛ لأنه ترتب على فعل العمل المترتب على الإخبار فترتبه على الإخبار إشارة إلى سرعة الامتثال بعد الاطلاع على حقيقة الحال ، وعطف يباعدني من النار على يدخلني الجنة يفيد أن مراده دخول الجنة من غير سابقة عذاب (عظيما ) أي : أمرا مستعظم الحصول لصعوبته على النفوس إلا على من سهل الله عليه (تعبد الله ) خبر بمعنى الأمر وهو خبر مبتدأ محذوف على تقدير أن المصدرية واستعمال الفعل موضع المصدر مجازا ، أي : هو ذلك العمل أن تعبد الله ( الصوم جنة ) أي : ستر من النار والمعاصي المؤدية إليها (تطفئ ) من الإطفاء فيه تنزل الخطيئة منزلة النار المؤدية هي إليها (وصلاة ) الرجل مبتدأ حذف خبره ، أي : هي مما لا يكتنه كنهها ، أي : هي مما نزلت فيها الآية المذكورة (برأس الأمر ) أي : هو للدين بمنزلة الرأس للرجل (وعموده ) أي : ما يعتمد عليه الدين وهو له بمنزلة العمود للبيت (وذروة سنامه ) السنام بالفتح ما ارتفع من ظهر الجمل وذروته بالضم والكسر أعلاه ، أي : بما هو للدين بمنزلة ذروة السنام للجمل في العلو والارتفاع وقد جاء بيان هذا بأن رأس الأمر الإسلام ، أي : الإتيان بالشهادتين [ ص: 474 ] وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد ، لكن في رواية المصنف وقع الاختصار (بملاك ذلك ) الملاك بكسر الميم وفتحها لغة والرواية الكسر ، أي : بما به يملك الإنسان ذلك كله بحيث يسهل عليه جميع ما ذكر (تكف ) أي : تحرس وتحفظ ( ثكلتك ) بكسر الكاف ، أي : فقدتك وهو دعاء عليه بالموت ظاهر ، أو المقصود التعجب من الغفلة عن مثل هذا الأمر (يكب ) بفتح الياء وضم الكاف وتشديد الباء من كبه إذا صرعه (حصائد ألسنتهم ) بمعنى محصوداتهم على تشبيه ما يتكلم به الإنسان بالزرع المحصود بالمنجل فكما أن المنجل يقطع من غير تمييز بين رطب ويابس وجيد ورديء كذلك لسان المكثار في الكلام بكل فن من الكلام من غير تمييز بين ما يحسن وما يقبح .




                                                                              الخدمات العلمية