الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                              صفحة جزء
                                                                              4075 حدثنا هشام بن عمار حدثنا يحيى بن حمزة حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثني أبي أنه سمع النواس بن سمعان الكلابي يقول ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال الغداة فخفض فيه ورفع حتى ظننا أنه في طائفة النخل فلما رحنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف ذلك فينا فقال ما شأنكم فقلنا يا رسول الله ذكرت الدجال الغداة فخفضت فيه ثم رفعت حتى ظننا أنه في طائفة النخل قال غير الدجال أخوفني عليكم إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم إنه شاب قطط عينه قائمة كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن رآه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف إنه يخرج من خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله اثبتوا قلنا يا رسول الله وما لبثه في الأرض قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة تكفينا فيه صلاة يوم قال فاقدروا له قدره قال قلنا فما إسراعه في الأرض قال كالغيث استدبرته الريح قال فيأتي القوم فيدعوهم فيستجيبون له ويؤمنون به فيأمر السماء أن تمطر فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت وتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى وأسبغه ضروعا وأمده خواصر ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ما بأيديهم شيء ثم يمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك فينطلق فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف ضربة فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل يتهلل وجهه يضحك فبينما هم كذلك إذ بعث الله عيسى ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه ينحدر منه جمان كاللؤلؤ ولا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فينطلق حتى يدركه عند باب لد فيقتله ثم يأتي نبي الله عيسى قوما قد عصمهم الله فيمسح وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة فبينما هم كذلك إذ أوحى الله إليه يا عيسى إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم وأحرز عبادي إلى الطور ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم كما قال الله من كل حدب ينسلون فيمر أوائلهم على بحيرة الطبرية فيشربون ما فيها ثم يمر آخرهم فيقولون لقد كان في هذا ماء مرة ويحضر نبي الله وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة ويهبط نبي الله عيسى وأصحابه فلا يجدون موضع شبر إلا قد ملأه زهمهم ونتنهم ودماؤهم فيرغبون إلى الله فيرسل عليهم طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ثم يرسل الله عليهم مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسله حتى يتركه كالزلقة ثم يقال للأرض أنبتي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة فتشبعهم ويستظلون بقحفها ويبارك الله في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل تكفي الفئام من الناس واللقحة من البقر تكفي القبيلة واللقحة من الغنم تكفي الفخذ فبينما هم كذلك إذ بعث الله عليهم ريحا طيبة فتأخذ تحت آباطهم فتقبض روح كل مسلم ويبقى سائر الناس يتهارجون كما تتهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة

                                                                              التالي السابق


                                                                              قوله : ( سمع النواس ) بفتح النون وتشديد الواو ( ابن سمعان ) بكسر السين وفتحها غير منصرف قوله : ( فخفض فيه ورفع ) المشهور تخفيف الفاء في خفض ورفع وروي بتشديد الفاء فيهما على التضعيف والتكثير والمعنى ، أي : بالغ في تقريبه واستعمل فيه كل فن من خفض ورفع (حتى ظنناه ) لغاية المبالغة في تقريبه (أنه في طائفة ) من نخل المدينة ، وقيل : أي : حقر أمره بأنه أعور وأهونه على الله وأنه يضمحل أمره وعظمه بجعل الخوارق بيده ، أو خفض صوته لعله يفيد كثرة التكلم فيه ثم رفعه بعد الاستراحة ليبلغ كلامه . قلت : والمعنيان لا يناسبهما الغاية قوله : ( أخوفني عليكم ) أخوف اسم تفضيل المبني للمفعول وأصله أخوف مخوفاتي عليكم ، ثم حذف المضاف إلى الياء فاتصل بها أخوف ، لكن جيء بالنون بينهما تشبيها بالفعل وقد جاء مثله على قلة كذا قيل : (إن يخرج ) كلمة إن شرطية ، قيل : قاله قبل أن يوحى إليه بوقته ، ثم علم بوقته وأن عيسى يقتله ) ويحتمل أنه أراد إعلام الناس بقرب خروجه (والحجيج ) الغالب الحجة فامرؤ من باب عموم النكرة في الإثبات مثل علمت نفس وتمرة خير من جرادة فلذلك صح وقوعه مبتدأ مع كونه نكرة [ ص: 509 ] (قطط ) بفتحتين ، أي : شديد جعودة الشعر (عينه قائمة ) أي : باقية في موضعها صحيحة ، وإنما ذهب نظرها وإبصارها (أشبهه ) من التشبيه ، أي : أراه شبيها ( بابن قطن ) بفتحتين (فليقرأ ) في نسخة عليه ، أي : لأجل دفع ضرره (فواتح سورة الكهف ) أي : أوائلها وقد جاء من أواخرها فالوجه الجمع بين الأول والآخر والكل أفضل قوله : ( من خلة ) بفتح الخاء المعجمة أي طريق بينهما روي بالحاء المهملة من الحلول سميت بذلك قال القرطبي : قد جاء أنه يخرج من خراسان ومن أصبهان ووجه الجمع أن مبدأ خروجه من خراسان من ناحية أصبهان ، ثم يخرج إلى الحجاز فيما بين العراق والشام (فعاث ) من العيث وهو أشد الفساد ، وقال القرطبي روي بفتح الثاء على أنه فعل ماض وبكسرها منونا على أنه اسم فاعل . قلت : على الأول من العيث وعلى الثاني من العثى ، أو العثو كل بمعنى الإفساد .

                                                                              (يا عباد الله اثبتوا ) قال القاضي أبو بكر في شرح الترمذي هذا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - تثبيتا للخلق ، وقال القرطبي اثبتوا على الإسلام يحذرهم من فتنته قوله : ( وما لبثه ) بفتح اللام وتضم ، أي : مقدار مكثه (اقدروا له ) أي : اقدروا لليوم لأداء ما فيه من الصلوات الخمس قدر يوم واحد وحدوا ذلك القدر فصلوا في ذلك المقدار خمس صلوات (أن تمطر ) من الإمطار (أن تنبت ) من الإنبات (وتروح ) أي : ترجع آخر النهار (سارحتهم ) ماشيتهم (أطول ما كانت ذرى ) بضم الذال المعجمة جمع ذروة بضم ، أو كسر وهو أعلى سنام البعير (فيردون ) من الرد ، أي : يكذبونه [ ص: 510 ] (فيصبحون ) من أصبح (ممحلين ) مجدبين (بالخربة ) بفتح فكسر ، أي : الأرض الخراب (كيعاسيب النحل ) أي : كما يتبع النحل اليعاسيب جمع يعسوب وهو كبير النحل ولا يفارقه النحل (جزلتين ) بكسر الجيم وسكون الزاي ، أي : قطعتين (رمية الغرض ) بفتح غين معجمة وراء الهدف في النهاية أراد أن بعد ما بين القطعتين يكون بقدر رمية السهم إلى الهدف ، وقيل : معناه وصف الضربة ، أي : تصيبه إصابة رمية الغرض (فيقبل ) من الإقبال في شرح الترمذي إحياء الموتى فتنة عظيمة وجاء هذا لأنه لا يدعي النبوة فيمتزج الصادق بالكاذب وإنما يدعي الربوبية فكلما ظهر على يديه فإنها فتنة معارضة للدلالة الظاهرة اليقينية (يتهلل وجهه ) أي : يستنير وتظهر عليه أمارات السرور (عند المنارة ) بفتح الميم كما في الصحاح قال الحافظ ابن كثير هذا هو الأشهر في موضع نزوله قال وقد وجدت منارة في زماننا في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة من حجارة بيض ، ولعل هذا يكون من دليل النبوة الظاهرة قال السيوطي : هو من الدلائل بلا ريب فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوحي إليه بجميع ما يحدث بعده ما لم يكن في زمنه وقد رويت مرة الحديث الصحيح وهو قوله : ( - صلى الله عليه وسلم - إن الله تعالى يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها فبلغني عن بعض من لا علم عنده أنه استنكر ذلك ، وقال ما كان التاريخ في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يقول على رأس كل مائة سنة وإنما حدث التاريخ بعده فقلت إنه - صلى الله عليه وسلم - علم بجميع ما يحدث بعده فعلق أمورا كثيرة على ما علم أنه سيحدث بعده وإن لم يكن موجودا في وقته - صلى الله عليه وسلم - ، وقال الحافظ ابن كثير وقد ورد في بعض الأحاديث أن عيسى عليه السلام ينزل ببيت المقدس ، وفي رواية بمعسكر المسلمين والله أعلم قال السيوطي : حديث نزول عيسى ببيت المقدس عند المصنف وهو أرجح ولا ينافيه سائر الروايات ؛ لأن بيت المقدس وهو شرقي دمشق وهو معسكر المسلمين إذ ذاك والأردن اسم الكورة كما في الصحاح وبيت المقدس داخل فيه فاتفقت الروايات فإن لم يكن في [ ص: 511 ] بيت المقدس الآن منارة بيضاء فلا بد أن تحدث قبل نزوله .

                                                                              قوله : ( بين مهرودتين ) أي : بين حلتين شبيهتين بالمصبوغ بالهرد والهرد بالضم بين معروف ، وقيل : الثوب الهروي الذي يصبغ بالورس ، ثم بالزعفران قوله : وواضع هكذا بصورة المرفوع في نسخ ابن ماجه ، وفي الترمذي واضعا بالنصب وهو الظاهر ولا يستبعد أن يقرأ بالنصب فإن أهل الحديث كثيرا ما يكون المنصوب بصورة المرفوع ويمكن أن يجعل خبر محذوف ، أي : هو واضع قوله : ( جمان ) أي : عرق كما في رواية ، وإلا فالجمان هو اللؤلؤ نفسه فلا يصح تشبيهه به (ولا يحل لكافر أن يجد ريح نفسه ) بفتح الفاء (إلا مات ) في النهاية هو حق واجب واقع كقوله تعالى : وحرام على قرية أي : حق واجب عليها قال القاضي في شرح الترمذي قد جاء أنه يقاتل الملل كلها فيحتمل أنه يريد به يقاتلهم بنفسه ويحتمل أنه يريد أن من كان مع الدجال مات هكذا وغيرهم يموت بالسيف (عند باب لد ) بضم اللام وتشديد الدال اسم جبل ، أو قرية بالشام قوله : ( لا يدان لأحد ) أي لا قوة ولا قدرة ولا طاقة ومعنى التشبيه تضعيف القوة قاله الطيبي ، وفي النهاية المباشر والدفاع إنما تكون باليد فكأن يديه معدومتان لعجزه عن الدفع قلت : وكأنه تعالى ما أراد موتهم بريح نفس عيسى عليه السلام ، وإلا لما كانت حاجة إلى قتالهم .

                                                                              قوله : ( فأحرز ) بالحاء المهملة من الإحراز وهو الجمع والضم والإدخال في الحرز قوله : ( حدب ) أي : مرتفع من الأرض (ينسلون ) يسرعون (نغف ) بفتحتين والغين معجمة وآخره فاء دود يكون [ ص: 512 ] في أنف الإبل والغنم واحده نغفة (فرسى ) كقتلى لفظا ومعنى جمع فرس من فرس الذنب (زهمهم ) في القاموس الزهم بالضم الريح المنتنة ، وقال السيوطي : هو بفتح الزاي والهاء النتن وكلام الصحاح أميل إلى ما في القاموس وكذا وكلام السيوطي في حاشية الترمذي قوله : ( لا يكن ) أي : لا يستر ولا يقي (كالزلفة ) بفتحتين وآخره فاء مصانع الماء وقد جاء بالقاف ( المصابة ) هم الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها (بقحفها ) بالكسر ، أي : بقشرها وأصله ما فوق الدماغ من الرأس (في الرسل ) بكسر الراء وسكون السين المهملة اللبن (اللقحة ) بالفتح والكسر الناقة القريبة العهد بالنتاج (الفئام ) بالهمزة ككتاب الجماعة الكثيرة (الفخذ ) هو دون القبيلة وفوق البطن (يتهارجون ) أي : يتشاجرون قوله : (وحذرناه ) من التحذير .




                                                                              الخدمات العلمية