الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      740 حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن أبان المعنى قالا حدثنا النضر بن كثير يعني السعدي قال صلى إلى جنبي عبد الله بن طاوس في مسجد الخيف فكان إذا سجد السجدة الأولى فرفع رأسه منها رفع يديه تلقاء وجهه فأنكرت ذلك فقلت لوهيب بن خالد فقال له وهيب بن خالد تصنع شيئا لم أر أحدا يصنعه فقال ابن طاوس رأيت أبي يصنعه وقال أبي رأيت ابن عباس يصنعه ولا أعلم إلا أنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( عبد الله بن طاوس ) بن كيسان اليماني أبو محمد ثقة فاضل عابد من السادسة ( في مسجد الخيف ) قال في المجمع : الخيف ما ارتفع عن مجرى السيل [ ص: 332 ] وانحدر عن غلظ الجبل ، ومسجد منى يسمى مسجد الخيف لأنه في سفح جبلها ( فقلت لوهيب بن خالد ) الباهلي أبو بكر البصري أحد الحفاظ الأعلام عن أيوب ومنصور بن المعتمر وأبي حازم وخلق ، وعنه حبان بن هلال ومسلم بن إبراهيم وعبد الأعلى بن حماد النرسي . قال ابن سعد ثقة حجة كثير الحديث أحفظ من أبي عوانة ( رأيت أبي يصنعه ) وأبوه هو طاوس بن كيسان اليماني أبو عبد الرحمن اليماني مولاهم الفارسي يقال اسمه ذكوان وطاوس لقب ، ثقة فقيه فاضل من الثالثة كذا في التقريب . قال طاوس : أدركت خمسين من الصحابة ، قال ابن عباس : إني لأظن طاوسا من أهل الجنة ، ذكره في الخلاصة ( ولا أعلم إلا أنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه ) في هذا الحديث دلالة ظاهرة على رفع اليدين في السجود وقد ذهب إلى استحبابه أبو بكر المنذر وأبو علي الطبري من أصحاب الشافعي وبعض أهل الحديث لكن الحديث ضعيف لأن النضر بن كثير السعدي ضعيف الحديث . وقال الحافظ أبو أحمد النيسابوري . هذا حديث منكر من حديث ابن طاوس . قاله المنذري . وقال أبو حاتم فيه نظر وقال النسائي : صالح الحديث . وقال البخاري عنده مناكير . وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به بحال .

                                                                      قال العلامة الشوكاني : بعدما ساق حديث ميمون المكي وحديث النضر بن الكثير وأخرج الدارقطني في العلل من حديث أبي هريرة أنه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع ويقول أنا أشبهكم صلاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه الأحاديث لا تنتهض للاحتجاج بها على الرفع في غير تلك المواطن ، فالواجب البقاء على النفي الثابت في الصحيح ، حتى يقوم دليل صحيح يقتضي تخصيصه كما قام في الرفع عند القيام من التشهد الأوسط انتهى .

                                                                      فإن قلت : قال الحافظ في الفتح وأصح ما وقفت عليه من الأحاديث في الرفع في السجود ما رواه النسائي من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في صلاته إذا ركع وإذا رفع رأسه من ركوعه وإذا سجد وإذا رفع رأسه من سجوده حتى يحاذي بهما فروع أذنيه ، وقد أخرج مسلم بهذا الإسناد طرفه الأخير كما ذكرناه في أول الباب الذي قبل هذا ولم ينفرد به سعيد [ ص: 333 ] فقد تابعه همام عن قتادة عند أبي عوانة في صحيحه انتهى . فظهر من قول الحافظ هذا أن حديث النسائي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث صحيح الإسناد فقد قام دليل صحيح على الرفع في السجود فيجب القول به .

                                                                      قلت : لا يستلزم من صحة إسناده صحته كيف وقد روى البخاري في صحيحه حديث مالك بن الحويرث من طريق خالد عن أبي قلابة وليس فيه زيادة وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود ، ورواه مسلم من طريق أبي عوانة عن قتادة عن نصر بن عاصم وليس فيه تلك الزيادة ، وكذا رواه أبو داود وابن ماجه والدارمي والدارقطني والبخاري في جزء رفع اليدين ولم يذكر أحد من هؤلاء تلك الزيادة .

                                                                      وقد روى البخاري عن عبد الله بن عمر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع ويقول سمع الله لمن حمده ولا يفعل ذلك في السجود وفي رواية أخرى له : ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود وفي رواية لمسلم : ولا يفعل حين يرفع رأسه من السجود وله أيضا : ولا يرفعهما بين السجدتين وروى الدارقطني عن أبي موسى قال : أريكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر ورفع يديه الحديث . وفيه ثم قال هكذا فاصنعوا ولا يرفع بين السجدتين ، قال : ورجاله ثقات ، وقال الحافظ في فتح الباري : وقد روى البخاري في جزء رفع اليدين في حديث علي المرفوع : ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد وأشار إلى تضعيف ما ورد في ذلك انتهى والله تعالى أعلم وعلمه أتم .




                                                                      الخدمات العلمية