الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      9999 قال فقلت يا أبا هريرة إني أكون أحيانا وراء الإمام قال فغمز ذراعي وقال اقرأ بها يا فارسي في نفسك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرءوا يقول العبد الحمد لله رب العالمين يقول الله عز وجل حمدني عبدي يقول الرحمن الرحيم يقول الله عز وجل أثنى علي عبدي يقول العبد مالك يوم الدين يقول الله عز وجل مجدني عبدي يقول العبد إياك نعبد وإياك نستعين يقول الله هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل يقول العبد اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين يقول الله فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( فغمز ذراعي ) أي كبس ساعدي . قال الباجي : هو على معنى التأنيس له وتنبيه على فهم مراده والبعث له على جمع ذهنه وفهمه لجوابه ( اقرأ بها يا فارسي في نفسك ) معناه اقرأها سرا بحيث تسمع نفسك ، وأما ما حمله عليه بعض المالكية وغيرهم أن المراد تدبر ذلك وتذكره فلا يقبل لأن القراءة لا تطلق إلا على حركة اللسان بحيث يسمع نفسه ، ولهذا اتفقوا على أن الجنب لو تدبر [ ص: 30 ] القرآن بقلبه من غير حركة لسانه لا يكون قارئا مرتكبا لقراءة الجنب المحرمة . قاله النووي .

                                                                      ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ) قال الخطابي : المراد بالصلاة القراءة ، يدل على ذلك قوله عليه السلام عند التفسير له والتفصيل للمراد منه إذا قال الحمد لله رب العالمين يقول الله تعالى حمدني عبدي إلى آخر السورة . وقد سمي القرآن صلاة لوقوعها في الصلاة وكونها جزءا من أجزائها . قال الله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها أي قراءتك . وقال تعالى وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا أي : صلاة الفجر ، فسمى الصلاة مرة قرآنا والقرآن صلاة لانتظام أحدهما بالآخر ، يدل على صحة ما قلناه قوله عليه السلام : بيني وبين عبدي نصفين ، والصلاة خالصة لله - عز وجل - لا يشرك فيها أحد ، فعقل أن المراد به القراءة ، وحقيقة هذه القسمة منصرفة إلى المعنى لا إلى اللفظ ، وذلك أن سورة الحمد نصفها ثناء ونصفها مسألة دعاء ، والثناء لله والدعاء لعبده ، وليس هذا انقسام ألفاظ وحروف ، وقسم الثناء من جهة المعنى إلى قوله تعالى إياك نعبد وهو تمام النصف الأول ، وباقي الآية وهو قوله تعالى من قسم الدعاء والمسألة ، ولذا قال عليه السلام حاكيا عن ربه وهذه الآية بيني وبين عبدي ، ولو كان المراد به قسمة الألفاظ والحروف لكان النصف الأخير يزيد على الأول زيادة بينة فيرتفع معنى التعديل والتنصيف ، وإنما هو قسمة المعاني كما ذكرته لك ، وهذا كما يقال نصف السنة إقامة ونصفها سفر ، يراد به انقسام السنة مدة السفر ومدة الإقامة ، لا على سبيل التعديل والتسوية بينهما حتى يكونا سواء ، لا يزيد أحدهما على الآخر . وقيل لشريح : كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت ونصف الناس علي غضبان ، يريد أن الناس بين محكوم له ومحكوم عليه ، فالمحكوم عليه غضبان علي باستخراجي الحق منه ، وإكراهي إياه ، ولقول الشاعر :

                                                                      إذا مت كان الناس نصفين شامت لموتي ومثن بالذي كنت أفعل

                                                                      ( فنصفها لي ) وهو الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين [ ص: 31 ] ( ونصفها لعبدي ) وهو من اهدنا الصراط المستقيم إلى آخره ، ( ولعبدي ما سأل ) أي بعينه إن كان معلقا على السؤال وإلا فمثله من رفع درجة ودفع مضرة ونحوهما ( اقرءوا ) ليست هذه اللفظة في رواية مسلم ( يقول العبد ) وفي رواية مسلم : فإذا قال العبد ( حمدني عبدي إلى قوله مجدني عبدي ) قال النووي : إنما قاله لأن التحميد الثناء بجميل الفعال ، والتمجيد الثناء بصفات الجلال ، ويقال : أثنى عليه في ذلك كله . ولهذا جاء جوابا للرحمن الرحيم لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية ( يقول العبد إياك نعبد ) أي نخصك بالعبادة ( وإياك نستعين ) أي نخصك بالاستعانة ( فهذه بيني وبين عبدي ) لأن العبادة لله تعالى والاستعانة من الله . وقال القرطبي : إنما قال الله تعالى هذا لأن في ذلك تذلل العبد لله وطلبه الاستعانة منه وذلك يتضمن تعظيم الله وقدرته على ما طلب منه ( يقول العبد اهدنا الصراط المستقيم إلى آخر السورة ) إنما كان هذا للعبد لأنه سؤال يعود نفعه إلى العبد ( فهؤلاء لعبدي ) وفي رواية مسلم " فهذا لعبدي " قال النووي : هكذا هو في صحيح مسلم وفي غيره " فهؤلاء لعبدي " وفي هذه الرواية دليل على أن اهدنا وما بعده إلى آخر السورة ثلاث آيات لا آيتان ، وفي المسألة خلاف مبني على أن البسملة من الفاتحة أم لا ، فمذهبنا ومذهب الأكثرين أنها من الفاتحة وأنها آية واهدنا وما بعده آيتان ، ومذهب مالك وغيره ، ممن يقول إنها ليست من الفاتحة ، يقول اهدنا وما بعده ثلاث آيات ، وللأكثرين أن يقولوا قولة هؤلاء ، المراد به الكلمات لا الآيات بدليل رواية مسلم " فهذا لعبدي " وهذا أحسن من الجواب بأن الجمع محمول على الاثنين ، لأن هذا مجاز عند الأكثرين ، فيحتاج إلى دليل على صرفه عن الحقيقة إلى المجاز . انتهى .

                                                                      وقال الخطابي : قد يستدل بهذا الحديث من لا يرى التسمية آية من فاتحة الكتاب وقالوا لو كانت آية لذكرت كما ذكر سائر الآي فلما بدأ بالحمد دل أنه أول آية منها وأنه لا حظ للتسمية فيها .

                                                                      وقد اختلف الناس فيها ، فقال قوم : هي آية من فاتحة الكتاب ، وهو قول ابن عباس وأبي هريرة وسعيد بن جبير وعطاء وابن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد ، وقال آخرون : ليست التسمية من فاتحة الكتاب ، وروي ذلك عن [ ص: 32 ] عبد الله بن المغفل ، وإليه ذهب أصحاب الرأي وهو قول مالك والأوزاعي . انتهى . والحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه .




                                                                      الخدمات العلمية