الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      940 حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال أتصلي بالناس فأقيم قال نعم فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرف قال يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك قال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لي رأيتكم أكثرتم من التصفيح من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيح للنساء قال أبو داود وهذا في الفريضة حدثنا عمرو بن عون أخبرنا حماد بن زيد عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال كان قتال بين بني عمرو بن عوف فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم ليصلح بينهم بعد الظهر فقال لبلال إن حضرت صلاة العصر ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس فلما حضرت العصر أذن بلال ثم أقام ثم أمر أبا بكر فتقدم قال في آخره إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال وليصفح النساء حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد عن عيسى بن أيوب قال قوله التصفيح للنساء تضرب بأصبعين من يمينها على كفها اليسرى

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( ذهب إلى بني عمرو بن عوف ) ابن مالك بن الأوس أحد قبيلتي الأنصار وهما الأوس والخزرج ، وبنو عمرو بن عوف بطن كبير من الأوس فيه عدة أحياء كانت منازلهم بقباء ( ليصلح بينهم ) وللبخاري في الصلح من طريق محمد بن جعفر عن أبي حازم أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال : اذهبوا بنا نصلح بينهم . وله في الأحكام من طريق حماد بن زيد عن أبي حازم أن توجهه كان بعد أن صلى الظهر ( وحانت الصلاة ) أي قرب وقتها ، والمراد بالصلاة صلاة العصر ، وفي رواية للبخاري فلما حضرت صلاة العصر ( فجاء المؤذن ) هو بلال كما تدل عليه الرواية الآتية ( فأقيم ) بالنصب ويجوز الرفع ( فصلى أبو بكر ) أي دخل في الصلاة وفي رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عند البخاري وتقدم أبو بكر فكبر ، وفي رواية المسعودي عن أبي حازم فاستفتح أبو بكر الصلاة ، وهي عند الطبراني . قال الحافظ في الفتح : وبهذا يجاب عن الفرق بين المقامين حيث امتنع أبو بكر هنا أن يستمر إماما ، وحيث استمر في مرض موته - صلى الله عليه وسلم - حين صلى خلفه الركعة الثانية من الصبح كما صرح به موسى بن عقبة في المغازي ، فكأنه لما أن مضى معظم الصلاة حسن الاستمرار ، ولما أن لم يمض منها إلا اليسير لم يستمر ، وكذا وقع لعبد الرحمن بن عوف حيث صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - خلفه الركعة الثانية من الصبح فإنه استمر في صلاته إماما لهذا المعنى . وقصة عبد الرحمن عند مسلم من حديث المغيرة بن شعبة ( فتخلص ) وفي رواية للبخاري فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يمشي في الصفوف يشقها شقا حتى قام في الصف الأول ( وكان أبو بكر لا يلتفت ) قيل كان ذلك لعلمه بالنهي عن ذلك وقد صح أنه اختلاس يختلسه الشيطان من [ ص: 162 ] صلاة العبد وقد تقدم ( فرفع أبو بكر يديه فحمد الله ) ظاهره أنه تلفظ بالحمد ( يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك ) فيه سؤال الرئيس عن سبب مخالفة أمره قبل الزجر عن ذلك ، وفيه إكرام الكبير بمخاطبته بالكنية واعتماد ذكر الرجل لنفسه بما يشعر بالتواضع من جهة استعمال أبي بكر خطاب الغيبة مكان الحضور إذ كان حد الكلام أن يقول أبو بكر ما كان لي فعدل عنه إلى قوله ما كان لابن أبي قحافة لأنه أدل على التواضع من الأول ( أن يصلي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) أي يؤمه كما في بعض الروايات ( أكثرتم من التصفيح ) هو التصفيق ، وظاهره أن الإنكار إنما حصل عليهم لكثرته لا لمطلقه ( من نابه ) أي أصابه ( فليسبح ) أي فليقل سبحان الله ( التفت إليه ) بضم المثناة على البناء للمجهول .

                                                                      قال الخطابي : في هذا الحديث أنواع من الفقه منها تعجيل الصلاة في أول الوقت ، ألا ترى أنهم لما حانت الصلاة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - غائب لم يؤخروها انتظارا له . ومنها أن الالتفات في الصلاة لا يبطلها ما لم يتحول المصلي عن القبلة بجميع بدنه . ومنها أنه عليه السلام لم يأمرهم بإعادة الصلاة كما صفقوا بأيديهم ، وفيه أن التصفيق سنة النساء في الصلاة وهو معنى التصفيح المذكور في أول الحديث وهو أن يضرب بظهور أصابع اليمنى صفح الكف من اليسرى ، ومنها أن تقدم المصلي عن مصلاه وتأخره عن مقامه لحاجة تعرض له غير مفسد صلاته ما لم تطل ذلك ، ومنها إباحة رفع اليدين في الصلاة والحمد لله تعالى والثناء عليه في أضعاف القيام عند ما يحدث للمرء من نعمة الله ويتجدد له من صنع الله تعالى ، ومنها جواز الصلاة بإمامين أحدهما بعد الآخر ، ومنها جواز الائتمام بصلاة من لم يلحق أول الصلاة وفيه أن سنة الرجال عندما ينوبهم شيء في الصلاة التسبيح ، وفيه أن المأموم إذا سبح يريد بذلك إعلام الإمام لم يكن ذلك مفسدا للصلاة . انتهى .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي .

                                                                      [ ص: 163 ] ( إن حضرت صلاة العصر ولم آتك ، فمر أبا بكر فليصل بالناس ) هذا لا يخالف ما تقدم من قول بلال لأبي بكر أتصلي بالناس ، لأنه يحمل على أنه استفهمه هل يبادر أول الوقت أو ينتظر قليلا ليأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجح عند أبي بكر المبادرة لأنها فضيلة متحققة فلا تترك لفضيلة متوهمة ( قال في آخره ) أي آخر الحديث ( فليسبح الرجال وليصفح النساء ) واعلم أنه قال مالك وغيره في قوله - صلى الله عليه وسلم - التصفيق للنساء أي هو من شأنهن في غير الصلاة ، وهو على جهة الذم له ولا ينبغي فعله في الصلاة لرجل ولا امرأة ، وتعقب بهذه الرواية فإنها بصيغة الأمر فهي ترد ما تأوله أهل هذه المقالة . قال القرطبي : القول بمشروعية التصفيق للنساء هو الصحيح خبرا ونظرا .

                                                                      ( عن عيسى بن أيوب قال ) أي عيسى ( قوله التصفيح للنساء تضرب بإصبعين من يمينها على كفها اليسرى ) هذا يدل على أن التصفيح غير التصفيق لأن التصفيق الضرب بباطن الراحة على الأخرى . قال زين الدين العراقي : والمشهور أن معناها واحد . قال عقبة : والتصفيح التصفيق . وكذا قال أبو علي البغدادي والخطابي والجوهري . قال ابن حزم : لا خلاف في أن التصفيح والتصفيق بمعنى واحد وهو الضرب بإحدى صفحتي الكف على الأخرى قال العراقي : وما ادعاه من نفي الخلاف ليس بجيد بل فيه قولان آخران أنهما مختلفا المعنى أحدهما أن التصفيح الضرب بظاهر إحداهما على الأخرى والتصفيق الضرب بباطن إحداهما على باطن الأخرى ، حكاه صاحب الإكمال وصاحب المفهم ، والقول الثاني إن التصفيح الضرب بإصبعين للإنذار والتنبيه ، وبالقاف بالجميع للهو واللعب .




                                                                      الخدمات العلمية