الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      972 حدثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو عوانة عن قتادة ح و حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا هشام عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال صلى بنا أبو موسى الأشعري فلما جلس في آخر صلاته قال رجل من القوم أقرت الصلاة بالبر والزكاة فلما انفتل أبو موسى أقبل على القوم فقال أيكم القائل كلمة كذا وكذا قال فأرم القوم فقال أيكم القائل كلمة كذا وكذا فأرم القوم قال فلعلك يا حطان أنت قلتها قال ما قلتها ولقد رهبت أن تبكعني بها قال فقال رجل من القوم أنا قلتها وما أردت بها إلا الخير فقال أبو موسى أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فعلمنا وبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين يحبكم الله وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلك بتلك وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم فإن الله تعالى قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم سمع الله لمن حمده وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلك بتلك فإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم أن يقول التحيات الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله لم يقل أحمد وبركاته ولا قال وأشهد قال وأن محمدا حدثنا عاصم بن النضر حدثنا المعتمر قال سمعت أبي حدثنا قتادة عن أبي غلاب يحدثه عن حطان بن عبد الله الرقاشي بهذا الحديث زاد فإذا قرأ فأنصتوا وقال في التشهد بعد أشهد أن لا إله إلا الله زاد وحده لا شريك له قال أبو داود وقوله فأنصتوا ليس بمحفوظ لم يجئ به إلا سليمان التيمي في هذا الحديث

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( حطان ) بكسر الحاء المهملة وتشديد الطاء ( الرقاشي ) بمفتوحة وخفة قاف وشين معجمة نسبة إلى رقاش بنت ضبيعة بن قيس وهي قبيلة من بني ربيعة ( أقرت ) [ ص: 190 ] من القرار أي أثبتت وأديمت . قال النووي : معناه قرنت بهما وأقرت معهما وصار الجميع مأمورا به ( بالبر ) بالكسر الخير والفضل ( والزكاة ) أي الطهارة من الذنوب والآثام ومنه قوله تعالى وتزكيهم بها : أي تطهرهم بها ، كذا في الصحاح للجوهري ( فلما انفتل ) أي انصرف من الصلاة ( فأرم القوم ) بفتح الراء وتشديد الميم ، قال الحافظ ابن الأثير : أي سكتوا ولم يجيبوا يقال : أرم فهو مرم ويروى فأزم بالزاي وتخفيف الميم وهو بمعناه لأن الأزم الإمساك عن الطعام والكلام . انتهى كلامه . وأيضا قال النووي في شرح مسلم هو بفتح الراء وتشديد الميم أي سكتوا ( لقد رهبت أن تبكعني ) هو بفتح المثناة في أوله وإسكان الموحدة بعدها أي تبكتني بها وتوبخني . قال الأصمعي : يقال بكعت الرجل بكعا إذا استقبلته بما يكره ( فأقيموا صفوفكم ) أمر بإقامة الصفوف وهو مأمور بإجماع الأمة والمراد تسويتها والاعتدال فيها وتتميم الأول فالأول منها والتراص فيها ( ثم ليؤمكم أحدكم ) فيه الأمر بالجماعة في المكتوبات ولا خلاف في ذلك ، ولكن اختلفوا في أنه أمر ندب أم إيجاب على أربعة مذاهب ، فالراجح عند الشافعي رحمه الله تعالى وعند أكثر أصحابه أنها فرض كفاية إذا فعله من يحصل به إظهار هذا الشعار سقط الحرج من الباقين وإن تركوه كلهم أثموا كلهم .

                                                                      وقالت طائفة من أصحابه هي سنة ، وقال ابن خزيمة هي فرض عين لكن ليست بشرط فمن تركها وصلى منفردا بلا عذر أثم وصحت صلاته . وقال بعض أهل الظاهر هي شرط لصحة الصلاة ( فإذا كبر فكبروا ) فيه أمر المأموم بأن يكون تكبيره عقب تكبير الإمام ، ويتضمن مسألتين إحداهما أنه لا يكبر قبله ولا معه بل بعده ، فلو شرع المأموم في تكبيرة الإحرام ناويا الاقتداء بالإمام وقد بقي للإمام منها حرف لم يصح إحرام المأموم بلا خلاف لأنه نوى الاقتداء بمن لم يصر إماما بل بمن سيصير إماما إذا فرغ من التكبير ، والثانية أنه يستحب كون تكبيرة المأموم عقب تكبيرة الإمام ولا يتأخر فلو تأخر جاز وفاته [ ص: 191 ] كمال فضيلة تعجيل التكبير قاله النووي ( وإذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين ) فيه دلالة ظاهرة لما قاله بعض علماء الشافعية وغيرهم : إن تأمين المأموم يكون مع تأمين الإمام لا بعده ، فإذا قال الإمام ولا الضالين قال الإمام والمأموم معا آمين ، وتأولوا قوله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمن الإمام فأمنوا قالوا معناه إذا أراد التأمين ليجمع بينه وبين هذا الحديث وهو يريد التأمين في آخر قوله ولا الضالين فيعقب إرادته تأمينه وتأمينكم معا .

                                                                      وفي آمين لغتان المد والقصر ، والمد أفصح ، والميم خفيفة فيهما ومعناه استجب قاله النووي ( يحبكم الله ) بالحاء المهملة من الحب هكذا في أكثر النسخ ، وفي بعضها بالجيم يجيبكم الله وهكذا في رواية مسلم قال النووي أي يستجب دعاءكم ، وهذا حث عظيم على التأمين فيتأكد الاهتمام به ( فتلك بتلك ) معناه اجعلوا تكبيركم للركوع وركوعكم بعد تكبيره وركوعه وكذلك رفعكم من الركوع يكون بعد رفعه ، ومعنى تلك بتلك أن اللحظة التي سبقكم الإمام بها في تقدمه إلى الركوع تجبر لكم بتأخيركم في الركوع بعد رفعه لحظة فتلك اللحظة وصار قدر ركوعكم كقدر ركوعه ، وقال بمثله في السجود . وقال الخطابي : فيه وجهان أحدهما أن يكون ذلك مردودا إلى قوله وإذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين يجيبكم الله يريد أن كلمة آمين يستجاب بها الدعاء الذي تضمنته السورة والآية كأنه قال فتلك الدعوة متضمنة بتلك الكلمة أو معلقة بها ، والآخر أن يكون ذلك معطوفا على ما يليه من الكلام وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا يريد أن صلاتكم معلقة بصلاة إمامكم فاتبعوه ، وائتموا به ولا تختلفوا عليه إنما تصح وتثبت بتلك ( وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد يسمع الله لكم ) قال النووي : فيه دلالة لما قاله أصحابنا وغيرهم أنه يستحب للإمام الجهر بقوله سمع الله لمن حمده وحينئذ يسمعونه فيقولون . وفيه دلالة لمذهب من يقول لا يزيد المأموم على قوله ربنا لك الحمد ولا يقول معه سمع الله لمن حمده ومذهبنا أنه يجمع بينهما الإمام والمأموم والمنفرد لأنه ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بينهما وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : صلوا كما رأيتموني أصلي . ومعنى سمع الله لمن حمده أي أجاب دعاء من حمده ، ومعنى [ ص: 192 ] يسمع الله لكم يستجيب دعاءكم . قوله ربنا لك الحمد ، هكذا هو هنا بلا واو وفي غير هذا الموضع ربنا ولك الحمد ، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بإثبات الواو وبحذفها وكلاهما جاءت به روايات كثيرة ، والمختار أنه على وجه الجواز وأن الأمرين جائزان ولا ترجيح لأحدهما على الآخر ( فليكن من أول قول أحدكم أن يقول التحيات ) استدل جماعة بهذا على أنه يقول في أول جلوسه التحيات ولا يقول بسم الله ، وليس هذا الاستدلال بواضح ، لأنه قال فليكن من أول ولم يقل فليكن أول ، قاله النووي والله أعلم .

                                                                      ( زاد فإذا قرأ فأنصتوا ) واعلم أن هذه الزيادة وهي قوله " وإذا قرأ فأنصتوا " مما اختلف الحفاظ في صحته ، فروى البيهقي في السنن الكبرى عن أبي داود السجستاني أن هذه اللفظة ليست بمحفوظة ، وكذلك رواه يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي والدارقطني والحافظ أبو علي النيسابوري شيخ الحاكم أبي عبد الله قال البيهقي قال أبو علي الحافظ : هذه اللفظة غير محفوظة قد خالف سليمان التيمي فيها جميع أصحاب قتادة واجتماع هؤلاء الحفاظ على تضعيفها مقدم على تصحيح مسلم لها لا سيما ولم يروها مسندة في صحيحه والله أعلم . انتهى كلامه . وقال الزيلعي : روي هذا من حديث أبي موسى ومن حديث أبي هريرة ، فحديث أبي موسى رواه مسلم في صحيحه في باب القراءة والركوع والسجود والتشهد فقال وحدثنا أبو غسان المسمعي حدثنا معاذ بن هشام حدثنا أبي ونحوه وحدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا جرير عن سليمان التيمي عن قتادة بهذا الإسناد مثله يعني حديث قتادة عن يونس بن جبير عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن أبي [ ص: 193 ] موسى الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر حديث : إذا كبر الإمام فكبروا قال مسلم وفي حديث جرير عن سليمان عن قتادة من الزيادة وإذا قرأ فأنصتوا ثم قال : قال أبو إسحاق يعني صاحب مسلم قال أبو بكر بن أخت أبي النضر في هذا الحديث أي طعن فيه فقال مسلم تريد أحفظ من سليمان التيمي فقال له أبو بكر فحديث أبي هريرة يعني وإذا قرأ فأنصتوا فقال مسلم هو عندي صحيح ، فقال لم تضعه هاهنا ؟ فقال ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا ، إنما وضعت هاهنا ما اجتمعوا عليه . انتهى كلام مسلم . قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه وقد تقدم الكلام على قوله وإذا قرأ فأنصتوا في باب الإمام يصلي من قعود في الجزء الرابع .




                                                                      الخدمات العلمية