الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      1066 حدثنا مسدد حدثنا إسمعيل أخبرني عبد الحميد صاحب الزيادي حدثنا عبد الله بن الحارث ابن عم محمد بن سيرين أن ابن عباس قال لمؤذنه في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم فكأن الناس استنكروا ذلك فقال قد فعل ذا من هو خير مني إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين والمطر

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( ابن عم محمد بن سيرين ) قال الدمياطي : ليس ابن عمه وإنما كان زوج بنت سيرين فهو صهره . قال في الفتح : لا مانع أن يكون بين سيرين والحارث إخوة من الرضاع ونحوه فلا ينبغي تغليط الرواية الصحيحة مع وجود الاحتمال المقبول ( قل صلوا في بيوتكم ) بدل الحيعلة مع إتمام الأذان ( فكأن الناس استنكروا ذلك ) أي قوله فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم ( فقال ) ابن عباس ( قد فعل ذا ) أي الذي قلته للمؤذن ( من هو خير مني ) أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( إن الجمعة عزمة ) بفتح العين وسكون الزاي أي واجبة ، فلو تركت المؤذن يقول حي على الصلاة لبادر من سمعه إلى المجيء في المطر فيشق عليه ، فأمرته أن يقول صلوا في بيوتكم ليعلموا أن المطر من الأعذار التي تصير العزيمة رخصة ، وهذا مذهب الجمهور ، لكن عند الشافعية والحنابلة مقيد بما يؤذي ببل الثوب فإن كان خفيفا أو وجد كنا يمشي فيه فلا عذر . وعن مالك رحمه الله لا يرخص في تركها بالمطر والحديث حجة عليه ، قاله القسطلاني في إرشاد الساري .

                                                                      وقال العيني في عمدة القاري : والمراد بقول ابن عباس أن الجمعة عزيمة ، ولكن المطر من الأعذار التي تصير العزيمة رخصة ، وهذا مذهب ابن عباس أن من جملة الأعذار لترك الجمعة المطر ، وإليه ذهب ابن سيرين وعبد الرحمن بن سمرة ، وهو قول أحمد وإسحاق . وقالت طائفة لا يتخلف عن الجمعة في اليوم المطير . وروى ابن قانع قيل لمالك أنتخلف عن الجمعة في اليوم المطير ؟ قال ما سمعت ، قيل له في الحديث ألا صلوا في الرحال ، قال ذلك في السفر . انتهى كلامه .

                                                                      قلت : هذا من استنباطات عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 292 ] صريحا أنه رخص في ترك صلاة الجمعة لأجل المطر والصحيح عندي في معنى قول ابن عباس - رضي الله عنه - أن الجمعة واجبة متحتمة لا تترك لكن يرخص للمصلي في حضور المسجد الجامع لأجل المطر ، فيصلي الجمعة في رحله بمن كان معه جماعة ، وليس المراد والله أعلم أن الجمعة تسقط لأجل المطر ، فإنه لم يثبت قط عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                      وغرض المؤلف من انعقاد هذا الباب أن التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة أو المطيرة كما ثبت من حديث ابن عمر فكذا يجوز التخلف عن حضور المسجد الجامع يوم الجمعة بدليل رواية ابن عباس كذا في غاية المقصود .

                                                                      ( وإني كرهت أن أحرجكم ) بضم الهمزة وسكون الحاء من الحرج ، ويؤيده ما في بعض الروايات أؤثمكم أي أن أكون سببا في إكسابكم الإثم عند حرج صدوركم فربما يقع تسخط أو كلام غير مرضي ( فتمشون في الطين والمطر ) فتكونون في الحرج .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه .




                                                                      الخدمات العلمية