الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      1094 حدثنا إبراهيم بن موسى وعثمان بن أبي شيبة المعنى عن أبي الأحوص حدثنا سماك عن جابر بن سمرة قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطبتان كان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس حدثنا أبو كامل حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ثم يقعد قعدة لا يتكلم وساق الحديث [ ص: 329 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 329 ] ( خطبتان يجلس بينهما ) قال النووي : فيه دليل لمذهب الشافعي والأكثرين أن خطبة الجمعة لا تصح من القادر على القيام إلا قائما في الخطبتين ، ولا يصح حتى يجلس بينهما ، وأن الجمعة لا تصح إلا بخطبتين . قال القاضي : ذهب عامة العلماء إلى اشتراط الخطبتين لصحة الجمعة وعن الحسن البصري وأهل الظاهر ورواية ابن الماجشون عن مالك أنها تصح بلا خطبة . وحكى ابن عبد البر إجماع العلماء على أن الخطبة لا تكون إلا قائما لمن أطاقه .

                                                                      وقال أبو حنيفة : يصح قاعدا وليس القيام بواجب . وقال مالك : هو واجب ولو ترك أساء وصحت الجمعة . وقال أبو حنيفة ومالك والجمهور : الجلوس بين الخطبتين سنة ليس بواجب ولا شرط ، ومذهب الشافعي أنه فرض وشرط لصحة الخطبة . قال الطحاوي : لم يقل هذا غير الشافعي . دليل الشافعي أنه ثبت هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع قوله - صلى الله عليه وسلم - صلوا كما رأيتموني انتهى كلامه

                                                                      وقال الرافعي : واظب النبي - صلى الله عليه وسلم - على الجلوس بينهما انتهى . واستشكل ابن المنذر إيجاب الجلوس بين الخطبتين . وقال : إن استفيد من فعله فالفعل بمجرده عند الشافعي لا يقتضي الوجوب ، ولو اقتضاه لوجب الجلوس الأول قبل الخطبة الأولى ، ولو وجب لم يدل على إبطال الجمعة بتركه .

                                                                      ( يقرأ القرآن ويذكر الناس ) فيه دليل للشافعي في أنه يشترط في الخطبة الوعظ والقراءة . قال الشافعي : لا يصح الخطبتان إلا بحمد الله تعالى والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهما والوعظ وهذه الثلاثة واجبات في الخطبتين ، وتجب قراءة آية من القرآن في أحدهما على الأصح ، ويجب الدعاء للمؤمنين في الثانية على الأصح .

                                                                      وقال مالك وأبو حنيفة والجمهور : يكفي من الخطبة ما يقع عليه الاسم . وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومالك في رواية عنه يكفي تحميدة أو تسبيحة أو تهليلة ، وهذا ضعيف لأنه يسمى خطبة ولا يحصل به مقصودها مع مخالفته ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم . قاله النووي .

                                                                      قلت : وقوله يذكر الناس ، فيه دليل صريح على أن الخطبة وعظ وتذكير للناس وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر أو نهي كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين ، ونهى المتخطي [ ص: 330 ] رقاب الناس عن ذلك وأمره بالجلوس ، وكان يدعو الرجل في خطبته تعال اجلس يا فلان ، وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته فلا بد للخطيب أن يقرأ القرآن ويعظ به ويأمر وينهى ويبين الأحكام المحتاج إليها ، فإن كان السامعون أعاجم يترجم بلسانهم فإن أثر التذكير والوعظ في غير بلاد العرب لا يحصل ولا يفيد إلا بالترجمة بلسانهم . وحديث جابر هذا هو أدل دليل على جواز ذلك . وقال الله تبارك وتعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم الآية . قال في جامع البيان : أي ليبين لهم ما أمروا به فيفهموه بلا كلفة . ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن بعث إلى الأحمر والأسود بصرائح الدلائل لكن الأولى أن يكون بلغة من هو فيهم حتى يفهموا ثم ينقلوه ويترجموه انتهى .

                                                                      فإن قلت : إن كانت الترجمة تجوز في الخطبة فتجوز قراءة ترجمة القرآن أيضا في الصلاة فإن صلى واحد وقرأ ترجمة سورة الفاتحة مثلا مكان الفاتحة ، صحت صلاته . قلت : كلا ولا يجوز ذلك في الصلاة قط . والقياس على الخطبة قياس مع الفارق ، لأن الخطبة ليس فيها ألفاظ مخصوصة وأذكار معينة ، بل إنما هي التذكير كما تقدم ، والصلاة ليست بتذكير بل إنما هي ذكر وبين التذكير والذكر فرق عظيم ، ولا بد في الصلاة من قراءة القرآن للإمام والمأموم والمنفرد لقوله تعالى : فاقرءوا ما تيسر من القرآن فلفظ اقرءوا صيغة أمر يدل على الوجوب ، ولا يمتثل الأمر إلا بقراءة القرآن بالنظم العربي كما أنزل علينا ووصل إلينا بالنقل المتواتر ، لأن من يقرأ ترجمته في الصلاة لا يطلق عليه قراءة القرآن بل هو خالف الأمر المأمور به ، فكيف يجوز قراءة ترجمة القرآن في الصلاة ، بل هو ممنوع . وأما الخطبة فهي تذكير فلا بد للخطيب أن يفهم معاني القرآن بعد قراءته ويذكر السامعين بلسانهم وإلا فيفوت مقصد الخطبة . هكذا قاله شيخنا العلامة نذير حسين المحدث الدهلوي . كذا في غاية المقصود ملخصا .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه .

                                                                      [ ص: 331 ]



                                                                      الخدمات العلمية