الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      111 حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير قال أتانا علي رضي الله عنه وقد صلى فدعا بطهور فقلنا ما يصنع بالطهور وقد صلى ما يريد إلا ليعلمنا فأتي بإناء فيه ماء وطست فأفرغ من الإناء على يمينه فغسل يديه ثلاثا ثم تمضمض واستنثر ثلاثا فمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يده اليمنى ثلاثا وغسل يده الشمال ثلاثا ثم جعل يده في الإناء فمسح برأسه مرة واحدة ثم غسل رجله اليمنى ثلاثا ورجله الشمال ثلاثا ثم قال من سره أن يعلم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو هذا حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا الحسين بن علي الجعفي عن زائدة حدثنا خالد بن علقمة الهمداني عن عبد خير قال صلى علي رضي الله عنه الغداة ثم دخل الرحبة فدعا بماء فأتاه الغلام بإناء فيه ماء وطست قال فأخذ الإناء بيده اليمنى فأفرغ على يده اليسرى وغسل كفيه ثلاثا ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا ثم ساق قريبا من حديث أبي عوانة قال ثم مسح رأسه مقدمه ومؤخره مرة ثم ساق الحديث نحوه حدثنا محمد بن المثنى حدثني محمد بن جعفر حدثني شعبة قال سمعت مالك بن عرفطة سمعت عبد خير رأيت عليا رضي الله عنه أتي بكرسي فقعد عليه ثم أتي بكوز من ماء فغسل يديه ثلاثا ثم تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد وذكر الحديث حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو نعيم حدثنا ربيعة الكناني عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش أنه سمع عليا رضي الله عنه وسئل عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وقال ومسح على رأسه حتى لما يقطر وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا ثم قال هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( أتانا ) : في منازلنا وفي رواية النسائي : أتينا ، أي نحن في منزله ( وقد صلى ) : صلاة الفجر ، وهذه الجملة حالية ( فقلنا ) : في أنفسنا ، وقال بعضنا لبعض ( ما يصنع ) : علي ( ليعلمنا ) : بأن يتوضأ ونحن نرى ( وطست ) : هو بفتح الطاء أصله طس أبدل أحد السينين تاء للاستثقال ، فإذا جمعت أو صغرت رددت السين لأنك فصلت بينهما بواو [ ص: 152 ] أو ألف أو ياء ، قلت طسوس وطساس وطسيس ، وحكي طشت بالشين : من آنية الصفر يحتمل أنه تفسير لإناء ، ويحتمل أنه معطوف على الإناء ، أي أتى بالماء في قدح أو إبريق ونحو ذلك ليتوضأ من الماء الذي فيه ، وأتى بطست ليتساقط ويجتمع فيه الماء المستعمل المتساقط من أعضاء الوضوء ، والاحتمال الأول هو القوي لما أخرجه الطبراني في كتابه مسند الشاميين بسنده عن عثمان بن سعيد النخعي عن علي ، وفيه فأتي بطشت من ماء ( واستنثر ثلاثا ) : المراد من الاستنثار هاهنا الاستنشاق كما في رواية النسائي ، ثم تمضمض واستنشق ثلاثا .

                                                                      وفي المجمع عن بعض شروح الشفا : الاستنشاق والاستنثار واحد لحديث تمضمض واستنثر بدون ذكر الاستنشاق وقيل غيره . انتهى .

                                                                      ( فمضمض ونثر ) : الفاء العاطفة فيه للترتيب الذكري وتقدم بيانه مرارا ، أي مضمض واستنشق ، وليست هاتان الجملتان في رواية النسائي وحذفهما أصرح ( من الكف الذي يأخذ فيه ) : وفي رواية النسائي : من الكف الذي يأخذ به الماء ، أي استنشق من الكف اليمنى ، وأما الاستنثار فمن اليد اليسرى كما في رواية النسائي والدارمي من طريق زائدة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي ، وفيه : فتمضمض واستنشق ، ونثر بيده اليسرى ففعل هذا ثلاثا ( وغسل يده الشمال ثلاثا ) : إلى المرفقين ، أي غسل كل واحدة من اليدين بعد الفراغ من الآخر فغسل اليد اليمنى أولا ثم اليد اليسرى ثانيا بعد الفراغ منها كما وقع بلفظ " ثم " في رواية عطاء بن يزيد وقد تقدمت .

                                                                      فما شاع بين الناس أنهم يدلكون اليد اليمنى بقليل من الماء أولا ثم يدلكون اليد اليسرى ثانيا فهو مخالف للسنة لأن السنة غسل اليسرى بعد الفراغ من اليمنى ( مرة واحدة ) : قال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد : والصحيح أنه لم يكرر مسح رأسه ، بل كان إذا كرر غسل الأعضاء أفرد مسح الرأس ، هكذا جاء عنه صريحا ، ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم خلافه ألبتة ، بل ما عدا هذا إما صحيح غير صريح كقول الصحابي : توضأ ثلاثا ثلاثا ، وإما صريح غير صحيح . انتهى بتلخيص .

                                                                      وقد عرفت ما في هذا الباب من أدلة الفريقين ( ثم قال ) : أي علي رضي الله عنه ( من سره ) : من السرور ، أي فرحه ( فهو هذا ) : أي مثله أو أطلقه عليه مبالغة .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه النسائي وأخرج الترمذي وابن ماجه طرفا منه . انتهى .

                                                                      [ ص: 153 ] ( الغداة ) : أي صلاة الصبح ( الرحبة ) : بفتح الراء المهملة وسكون الحاء المهملة محلة بالكوفة . كذا في القاموس ( فأفرغ ) : أي صب .

                                                                      قوله : فأخذ الإناء إلى قوله ثلاثا . هكذا في عامة النسخ ، وكذا في تلخيص المنذري ، وفي بعض النسخ هذه العبارة قال : فأخذ الإناء بيده اليمنى فأفرغ على يده اليسرى وغسل كفيه ثم أخذ الإناء بيده اليمنى فأفرغ على يده اليسرى فغسل كفيه ثلاثا ، وفي رواية الدارقطني فأخذ بيمينه الإناء فأكفأه على يده اليسرى ثم غسل كفيه ، ثم أخذ بيده اليمنى الإناء فأفرغ على يده اليسرى ثم غسل كفيه ثم أخذ بيده اليمنى الإناء فأفرغ على يده اليسرى ثم غسل كفيه ; فعله ثلاث مرات .

                                                                      قال عبد خير : كل ذلك لا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات ( ثم ساق ) : أي زائدة بن قدامة ( حديث أبي عوانة ) : المذكور آنفا ثم قال زائدة في حديثه ( مقدمه ومؤخره مرة ) : أي بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه كما في رواية أخرى ، وفيه تصريح بأن مسح الرأس كان مرة واحدة ، وقوله : مقدمه هو بضم الميم وفتح الدال المشددة ( ثم ساق ) : زائدة ( نحوه ) : أي نحو حديث أبي عوانة .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه النسائي بنحوه .

                                                                      ( مالك بن عرفطة ) : بضم العين وسكون الراء المهملتين وضم الفاء وفتح الطاء واتفق الحفاظ كأبي داود والترمذي والنسائي على وهم شعبة في تسمية شيخه بمالك بن عرفطة وإنما هو خالد بن علقمة .

                                                                      قال النسائي في سننه قال أبو عبد الرحمن هذا خطأ والصواب خالد بن علقمة ليس مالك بن عرفطة .

                                                                      وقال الترمذي في جامعه : وروى شعبة هذا الحديث عن خالد بن علقمة فأخطأ في اسمه واسم أبيه فقال مالك بن عرفطة ، وروي عن أبي عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي ، وروي عنه عن مالك بن [ ص: 154 ] عرفطة مثل رواية شعبة والصحيح خالد بن علقمة . انتهى .

                                                                      ويجيء قول أبي داود في آخر الباب ( بكرسي ) : بضم الكاف وسكون الراء هو السرير ( بكوز ) : بضم الكاف وهو ما له عروة من أواني الشرب ، وما لا فهو كوب ( بماء واحد ) : قال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد : وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتمضمض ويستنشق تارة بغرفة وتارة بغرفتين وتارة بثلاث ، وكان يصل بين المضمضة والاستنشاق فيأخذ نصف الغرفة لفمه ونصفها لأنفه ، ولا يمكن في الغرفة إلا هذا ، وأما الغرفتان والثلاث فيمكن فيهما الفصل والوصل إلا أن هديه صلى الله عليه وسلم كان الوصل بينهما كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق من كف واحد ، فعل ذلك ثلاثا ، وفي لفظ تمضمض واستنثر بثلاث غرفات ، فهذا أصح ما روي في المضمضة والاستنشاق ، ولم يجئ الفصل بين المضمضة والاستنشاق في حديث صحيح ألبتة .

                                                                      ويجيء بيان ذلك إن شاء الله تعالى تحت حديث عبد الله بن زيد وطلحة بن مصرف عن أبيه عن جده في موضعه ( وذكر ) : شعبة ( الحديث ) : بتمامه .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه النسائي أتم منه .

                                                                      واعلم أنه ذكر الحافظ المزي في الأطراف هاهنا ، أي في آخر الحديث عبارات من قول أبي داود ليست هي موجودة في النسخ الحاضرة عندي ، لكن رأينا إثباتها لتكميل الفائدة وهي هذه : قال أبو داود : ومالك بن عرفطة إنما هو خالد بن علقمة أخطأ فيه شعبة قال أبو داود قال أبو عوانة يوما : حدثنا مالك بن عرفطة عن عبد خير فقال له عمرو الأعصف : رحمك الله أبا عوانة ، هذا خالد بن علقمة ، ولكن شعبة مخطئ فيه . فقال أبو عوانة : هو في كتابي خالد بن علقمة ، ولكن قال شعبة : هو مالك بن عرفطة .

                                                                      قال أبو داود حدثنا عمرو بن عون قال حدثنا أبو عوانة عن مالك بن عرفطة ، قال أبو داود وسماعه قديم ، قال أبو داود حدثنا أبو كامل قال حدثنا أبو عوانة عن خالد بن علقمة وسماعه متأخر كان بعد ذلك رجع إلى الصواب . انتهى .

                                                                      قال المزي في آخر الكلام من قول أبي داود : ومالك بن عرفطة إلى قوله رجع إلى الصواب في رواية أبي الحسن بن العبد ولم يذكره أبو القاسم . انتهى

                                                                      [ ص: 155 ] ( أبو نعيم ) : بضم النون وفتح العين هو الفضل بن دكين الكوفي الحافظ ( الكناني ) : بكسر الكاف وبعدها النون منسوب إلى الكنانة ( زر ) : بكسر الزاي المعجمة وتشديد الراء المهملة ( حبيش ) : مصغرا ( وسئل ) : والواو حالية ( فذكر ) : زر ( وقال ) : زر في حديثه ( ومسح ) : علي ( لما يقطر ) : لما بفتح اللام وتشديد الميم بمعنى لم وهي على ثلاثة أوجه : أحدها : أن يختص بالمضارع فتجزمه وتنفيه وتقلبه ماضيا مثل " لم " إلا أنها تفارقها في أمور ، وثانيها : أن تختص بالماضي فتقتضي جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما ، وثالثها : أن تكون حرف استثناء فتدخل على الجملة الاسمية ، وهاهنا للوجه الأول ، أي لم يقطر الماء عن رأسه .

                                                                      قال ابن رسلان في شرحه : حتى لما يقطر الماء هي بمعنى لم والفرق بينهما من ثلاثة وجوه : الأول : أن النفي بلم لا يلزم اتصاله بالحال بل قد يكون منقطعا نحو هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا وقد يكون متصلا بالحال نحو ولم أكن بدعائك رب شقيا بخلاف لما فإنه يجب اتصال نفيها بالحال ، الثاني : أن الفعل بعد لما يجوز حذفه اختيارا ولا يجوز حذفه بعد " لم " إلا في الضرورة ، الثالث : أن " لم " تصاحب أدوات الشرط نحو : إن لم ولئن لم ينتهوا . انتهى كلامه .

                                                                      لكن لصاحب التوسط في شرح سنن أبي داود فيه مسلك آخر فقال مسح رأسه حتى لما يقطر في لما توقع ، أي قطره متوقع ، وفيه استحباب تحقيق المسح وعدم المبالغة بحيث يقطر وعكس بعض فاستدل به على التغسيل .

                                                                      قلت : ويقوي قول صاحب التوسط رواية معاوية الآتية . والله أعلم .

                                                                      والحديث تفرد به المؤلف عن أئمة الصحاح ، لكن أخرجه البيهقي .

                                                                      قال الحافظ في التلخيص : والحديث أعله أبو زرعة إنما [ ص: 156 ] يروى عن المنهال عن أبي حية عن علي . انتهى .

                                                                      وقال ابن القطان : لا أعلم لهذا الحديث علة . والله أعلم .




                                                                      الخدمات العلمية