الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب صلاة الخوف من رأى أن يصلي بهم وهم صفان فيكبر بهم جميعا ثم يركع بهم جميعا ثم يسجد الإمام والصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم فإذا قاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين وتقدم الصف الأخير إلى مقامهم ثم يركع الإمام ويركعون جميعا ثم يسجد ويسجد الصف الذي يليه والآخرون يحرسونهم فإذا جلس الإمام والصف الذي يليه سجد الآخرون ثم جلسوا جميعا ثم سلم عليهم جميعا قال أبو داود هذا قول سفيان

                                                                      1236 حدثنا سعيد بن منصور حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلينا الظهر فقال المشركون لقد أصبنا غرة لقد أصبنا غفلة لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر فلما حضرت العصر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة والمشركون أمامه فصف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم صف وصف بعد ذلك الصف صف آخر فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا جميعا ثم سجد وسجد الصف الذين يلونه وقام الآخرون يحرسونهم فلما صلى هؤلاء السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين وتقدم الصف الأخير إلى مقام الصف الأول ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا جميعا ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وقام الآخرون يحرسونهم فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه سجد الآخرون ثم جلسوا جميعا فسلم عليهم جميعا فصلاها بعسفان وصلاها يوم بني سليم قال أبو داود روى أيوب وهشام عن أبي الزبير عن جابر هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس وكذلك عبد الملك عن عطاء عن جابر وكذلك قتادة عن الحسن عن حطان عن أبي موسى فعله وكذلك عكرمة بن خالد عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول الثوري [ ص: 78 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 78 ] 279 - باب صلاة الخوف ( من رأى ) : أي من الأئمة من ذهب إلى ( أن يصلي ) : الإمام ( بهم ) : أي بالناس المجتمعين ( وهم ) : أي الناس المجتمعون ( فيكبر بهم ) : أي فيكبر الإمام بهؤلاء فيفتحون الصلاة كلهم معا ( ثم يركع بهم جميعا ) : أي يركع الإمام بهؤلاء كلهم ( ثم يسجد الإمام ) : سجدتين ( والصف الذي يليه ) : أي الصف المقدم الذي يلي الإمام هو يسجد مع الإمام ( والآخرون ) : الذين هم في الصف المؤخر ( قيام ) : جمع قائم ( يحرسونهم ) : أي يحرسون الإمام والصف المقدم ( فإذا قاموا ) : أي الذين في الصف المقدم ( الذين كانوا خلفهم ) : أي خلف الصف المقدم ولم يسجدوا معهم .

                                                                      ( عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي ) : اسمه زيد بن الصامت ورواه البيهقي في المعرفة بلفظ حدثنا أبو عياش قال وفي هذا تصريح بسماع مجاهد من أبي عياش انتهى ( بعسفان ) : بضم العين وسكون السين موضع على مرحلتين من مكة ، وقيل هي قرية جامعة على ستة وثلاثين ميلا من مكة وهي حد تهامة كذا في مراصد الاطلاع ( وعلى المشركين خالد ) : أي كان أميرهم خالد بن الوليد ( لقد أصبنا غرة ) : بكسر الغين المعجمة [ ص: 79 ] وتشديد الراء أي غفلة في صلاة الظهر يريدون فلو حملنا عليهم كان أحسن ( فنزلت آية القصر ) : وفي رواية النسائي فنزلت يعني صلاة الخوف ( فصلاها بعسفان وصلاها يوم بني سليم ) : ولفظ النسائي " وصلى مرة بأرض بني سليم " ولفظ أحمد والدارقطني " فصلاها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرتين مرة بعسفان ومرة بأرض بني سليم " انتهى .

                                                                      وحديث أبي عياش إسناده صحيح . وفي هذا الحديث وكذا في حديث جابر الذي سيذكره المؤلف معلقا أن صلاة الطائفتين مع الإمام جميعا واشتراكهم في الحراسة ومتابعته في جميع أركان الصلاة إلا السجود فتسجد معه طائفة وتنتظر الأخرى حتى تفرغ الطائفة الأولى ثم تسجد ، وإذا فرغوا من الركعة الأولى تقدمت الطائفة المتأخرة مكان الطائفة المتقدمة وتأخرت المتقدمة ( رواه أيوب وهشام عن أبي الزبير عن جابر هذا المعنى ) : حديث هشام وصله البيهقي في المعرفة بلفظ : " فكبروا جميعا وركعوا جميعا ثم سجد الذين يلونه والآخرون قيام فلما رفعوا رءوسهم سجد الآخرون ، ثم تقدم هؤلاء وتأخر هؤلاء فكبروا جميعا وركعوا جميعا ، ثم سجد الذين يلونهم والآخرون قيام فلما رفعوا رؤوسهم سجد الآخرون " قال البيهقي هذا إسناد صحيح وأخرجه النسائي من طريق سفيان عن أبي الزبير عن جابر وحديث أيوب وصله ابن ماجه ( وكذلك ) : أي كما رواه أبو عياش الزرقي ( رواه داود بن حصين ) : حديث داود بن الحصين وصله النسائي من طريق محمد بن إسحاق قال [ ص: 80 ] حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس فذكر الحديث ( وكذلك ) : أي كحديث أبي عياش رواه ( عبد الملك ) : بن أبي سليمان ( عن عطاء عن جابر ) : وحديث عبد الملك وصله مسلم والنسائي ( عن أبي موسى ) : الأشعري ( فعله ) : موقوفا عليه . وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف من طريق قتادة عن أبي العالية عن أبي موسى الأشعري بلفظ آخر ، وكذا من طريق يونس عن الحسن عن أبي موسى ( وكذلك ) : أي كحديث أبي عياش رواه ( عكرمة بن خالد ) : بن العاص ثقة ( عن مجاهد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) : مرسلا . وفي المصنف من طريق عمر بن ذر سمعه من مجاهد قال كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذكر الحديث ثم قال مجاهد " فكان تكبيرهم وركوعهم وتسليمه عليهم سواء وتناصفوا في السجود " ( هشام بن عروة عن أبيه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) : مرسلا . فهذه الروايات كلها مثل حديث أبي عياش الزرقي ( وهو قول الثوري ) : سفيان الإمام وابن أبي ليلى قاله ابن عبد البر ، وهو قول للشافعي ، فحديث جابر من طريق عطاء وحديث أبي عياش الزرقي مفهومهما واحد . قال الخطابي : صلاة الخوف أنواع وقد صلاها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أيام مختلفة على أشكال متباينة يتوخى في كلها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة ، وهي على اختلاف صورها مؤتلفة في المعاني وهذا النوع منها هو الاختيار إذا كان العدو بينهم وبين القبلة فإذا كان العدو وراء القبلة صلى بهم صلاته في يوم ذات الرقاع انتهى .

                                                                      قال المنذري وأخرجه النسائي وقال البيهقي هذا إسناد صحيح إلا أن بعض أهل العلم بالحديث يشك في سماع مجاهد من أبي عياش ، ثم ذكر الحديث بإسناد جيد عن مجاهد قال حدثنا أبو عياش وقال بين فيه سماع مجاهد من أبي عياش . هذا آخر كلامه ، وسماعه منه متوجه ؛ فإنه ذكر ما يدل على أن مولد مجاهد سنة عشرين ، وعاش أبو عياش إلى بعد الأربعين وقيل إلى بعد الخمسين انتهى .




                                                                      الخدمات العلمية