الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      1342 حدثنا حفص بن عمر حدثنا همام حدثنا قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام قال طلقت امرأتي فأتيت المدينة لأبيع عقارا كان لي بها فأشتري به السلاح وأغزو فلقيت نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا قد أراد نفر منا ستة أن يفعلوا ذلك فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة فأتيت ابن عباس فسألته عن وتر النبي صلى الله عليه وسلم فقال أدلك على أعلم الناس بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأت عائشة رضي الله عنها فأتيتها فاستتبعت حكيم بن أفلح فأبى فناشدته فانطلق معي فاستأذنا على عائشة فقالت من هذا قال حكيم بن أفلح قالت ومن معك قال سعد بن هشام قالت هشام بن عامر الذي قتل يوم أحد قال قلت نعم قالت نعم المرء كان عامر قال قلت يا أم المؤمنين حدثيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ألست تقرأ القرآن فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن قال قلت حدثيني عن قيام الليل قالت ألست تقرأ يا أيها المزمل قال قلت بلى قالت فإن أول هذه السورة نزلت فقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتفخت أقدامهم وحبس خاتمتها في السماء اثني عشر شهرا ثم نزل آخرها فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة قال قلت حدثيني عن وتر النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان يوتر بثمان ركعات لا يجلس إلا في الثامنة ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى لا يجلس إلا في الثامنة والتاسعة ولا يسلم إلا في التاسعة ثم يصلي ركعتين وهو جالس فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني فلما أسن وأخذ اللحم أوتر بسبع ركعات لم يجلس إلا في السادسة والسابعة ولم يسلم إلا في السابعة ثم يصلي ركعتين وهو جالس فتلك هي تسع ركعات يا بني ولم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة يتمها إلى الصباح ولم يقرأ القرآن في ليلة قط ولم يصم شهرا يتمه غير رمضان وكان إذا صلى صلاة داوم عليها وكان إذا غلبته عيناه من الليل بنوم صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة قال فأتيت ابن عباس فحدثته فقال هذا والله هو الحديث ولو كنت أكلمها لأتيتها حتى أشافهها به مشافهة قال قلت لو علمت أنك لا تكلمها ما حدثتك حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن سعيد عن قتادة بإسناده نحوه قال يصلي ثماني ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة فيجلس فيذكر الله عز وجل ثم يدعو ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعدما يسلم ثم يصلي ركعة فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم أوتر بسبع وصلى ركعتين وهو جالس بعدما يسلم بمعناه إلى مشافهة حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر حدثنا سعيد بهذا الحديث قال يسلم تسليما يسمعنا كما قال يحيى بن سعيد حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد بهذا الحديث قال ابن بشار بنحو حديث يحيى بن سعيد إلا أنه قال ويسلم تسليمة يسمعنا

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( لأبيع عقارا ) : على وزن سلام كل ملك ثابت له أصل كالدار والنخل . وقال بعض أهل اللغة : ربما أطلق على المتاع ( فأشتري به ) : أي بثمن العقار ( منا ستة ) : بدل من نفر ( أن يفعلوا ذلك ) : أي تطليق النساء وبيع المتاع لإرادة الغزو ( وقال ) : كل واحد من الصحابة ممن لقيت بهم ( أسوة حسنة ) : أي اقتداء ومتابعة حسنة جميلة ( فقال أدلك على أعلم الناس ) : فيه أنه يستحب للعالم إذا سئل عن شيء ويعرف أن غيره أعلم منه به أن يرشد السائل إليه ، فإن الدين النصيحة ويتضمن مع ذلك الإنصاف والاعتراف بالفضل لأهله والتواضع ( فاستتبعت ) : أي استصحبت وطلبت منه المصاحبة ، وسألت [ ص: 162 ] منه أن يتبعني في الذهاب إلى عائشة ( عن خلق رسول الله ) : بضم الحاء واللام ويسكن أي أخلاقه وشمائله ( كان القرآن ) : أي كان خلقه جميع ما فصل في القرآن من مكارم الأخلاق ، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان متحليا به . وقال النووي : معناه العمل به والوقوف عند حدوده ، والتأديب بآدابه ، والاعتبار بأمثاله وقصصه ، وتدبره ، وحسن تلاوته ( فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة ) : هذا ظاهره أنه صار تطوعا في حق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والأمة ، فأما الأمة فهو تطوع في حقهم بالإجماع ، وأما النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاختلفوا في نسخه في حقه والأصح نسخه قاله النووي ( ولا يسلم إلا في التاسعة ) : فيه مشروعية الإيتار بتسع ركعات متصلة لا يسلم إلا في آخرها ويقعد في الثامنة ولا يسلم ( فلما أسن وأخذ اللحم ) : أي كبر عمره وبدن ( أوتر بسبع ركعات لم يجلس إلا في السادسة والسابعة ) : وفي رواية النسائي " صلى سبع ركعات لا يقعد إلا في آخرهن " فرواية المؤلف تدل على إثبات القعود في السادسة والرواية الثانية تدل على نفيه ، ويمكن الجمع بحمل النفي للقعود في رواية النسائي على القعود الذي يكون فيه التسليم . وظاهر هذا الحديث وغيره من الأحاديث أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما كان يوتر بدون سبع ركعات وقال ابن حزم في المحلى : إن الوتر وتهجد الليل ينقسم إلى ثلاثة عشر وجها أيها فعل أجزأه ثم ذكرها واستدل على كل واحد منها ثم قال وأحبها إلينا وأفضلها أن يصلي ثنتي عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ثم يصلي ركعة واحدة ويسلم انتهى .

                                                                      [ ص: 163 ] ( ثم يصلي ركعتين وهو جالس ) : أخذ بظاهره الأوزاعي وأحمد وأباحا ركعتين بعد الوتر جالسا وأنكره مالك قال النووي : الصواب أن فعله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبيان الجواز ولم يواظب على ذلك بل فعله مرة أو مرات قليلة ، ولفظ كان لا يلازم منها الدوام ولا التكرار . قال : وإنما تأولنا حديث الركعتين لأن الروايات المشهورة في الصحيحين بأن آخر صلاته صلى الله عليه وسلم في الليل كانت وترا . وفي الصحيحين أحاديث كثيرة مشهورة بالأمر يجعل آخر صلاة الليل وترا ، فكيف يظن أنه يداوم على ركعتين بعد الوتر ، وما أشار إليه القاضي عياض من رد رواية الركعتين فليس بصواب لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع بينها تعين انتهى ملخصا .

                                                                      ( ولم يقرأ القرآن في ليلة ) : أي كاملا بتمامه ( وكان إذا غلبته عيناه ) : هذا دليل على استحباب المحافظة على الأوراد وأنها إذا فاتت تقضى ( والله هو الحديث ) : الذي أريده ( أكلمها ) : أي عائشة ( حتى أشافهها به ) : أي بالحديث ( مشافهة ) : أي أسمع منها مواجهة ، ويشبه أن يكون ترك الكلام معها لأجل المنازعة التي كانت بين علي بن أبي طالب وبينها أو لأمر آخر ، لكن هذا فعل ابن عباس ليس به حجة بل هو مخالف للنصوص والله أعلم ( ما حدثتك ) : أي لتذهب إليها للحديث فتكلمها أو المراد أنك لا تكلمها ، فإن علمت هذا قبل ذلك ما حدثتك حديثها أيضا .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي . ( يسمعنا ) : من الإسماع ، وفيه استحباب الجهر بالتسليم فهذا نوع آخر من صلاته مغاير لما تقدم فيه أنه صلى ثماني ركعات ولم يجلس إلا في آخرهن ثم صلى [ ص: 164 ] ركعتين ثم صلى ركعة ، فهذه رواية سعيد عن قتادة ، والتي تقدمت هي رواية همام عن قتادة عن زرارة .




                                                                      الخدمات العلمية