الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      1375 حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع أخبرنا داود بن أبي هند عن الوليد بن عبد الرحمن عن جبير بن نفير عن أبي ذر قال صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم بنا فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل فقلت يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة قال فقال إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة قال فلما كانت الرابعة لم يقم فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح قال قلت وما الفلاح قال السحور ثم لم يقم بقية الشهر

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( فلم يقم بنا شيئا من الشهر ) : أي لم يصل بنا غير الفريضة من ليالي شهر [ ص: 182 ] رمضان ، وكان إذا صلى الفرض دخل حجرته ( حتى بقي سبع ) : أي من الشهر ، كما في رواية ، ومضى اثنان وعشرون . قال الطيبي : أي سبع ليال نظرا إلى المتيقن وهو أن الشهر تسع وعشرون فيكون القيام في قوله ( فقام بنا ) : ليلة الثالثة والعشرين ( حتى ذهب ثلث الليل ) : فصلى وذكر الله وقرأ القرآن ( فلما كانت السادسة ) : أي مما بقي وهي الليلة الرابعة والعشرون ( فلما كانت الخامسة ) : وهي الليلة الخامسة والعشرون . قال صاحب المفاتيح فحسب من آخر الشهر وهو ليلة الثلاثين إلى آخر سبع ليال وهو الليلة الرابعة والعشرون ( حتى ذهب شطر الليل ) : أي نصفه ( لو نفلتنا ) : بالتشديد ( قيام هذه الليلة ) : وفي رواية بقية ليلتنا أي لو جعلت بقية الليل زيادة لنا على قيام الشطر . وفي النهاية لو زدتنا من الصلاة النافلة سميت بها النوافل لأنها زائدة على الفرائض . وقال المظهر : تقديره لو زدت قيام الليل على نصفه لكان خيرا لنا ، ولو للتمني ( حتى ينصرف ) : أي الإمام ( حسب له ) : على البناء للمفعول أي اعتبر وعد ( قيام الليلة ) : أي حصل له ثواب قيام ليلة تامة يعني الأجر حاصل بالفرض وزيادة النوافل مبنية على قدر النشاط لأن الله لا يمل حتى تملوا . قال في المرقاة : والظاهر أن المراد بالفرض العشاء والصبح ( فلما كانت الرابعة ) : أي من الباقية وهي السادسة والعشرون ( فلما كانت الثالثة ) : أي من الباقية وهي ليلة السابع والعشرين ( جمع أهله ونساءه والناس ) : أي الخواص منهم ( حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح ) : قال الخطابي : أصل الفلاح البقاء ، وسمي السحور فلاحا إذ كان سببا لبقاء الصوم ومعينا عليه ومن ذلك حي على الفلاح ، أي العمل الذي يخلدكم في الجنة . وقيل لأنه معين على إتمام الصوم المفضي إلى الفلاح وهو الفوز بالزلفى والبقاء في العقبى ( قلت ) : قاله الراوي عن أبي ذر ( قال ) أبو ذر : ( السحور ) : بالضم والفتح .

                                                                      قال ابن الأثير في النهاية : هو بالفتح ما يتسحر به من الطعام والشراب ، وبالضم المصدر والفعل نفسه ، وأكثر ما يروى بالفتح . وقيل : الصواب بالضم لأنه بالفتح الطعام والبركة والأجر والصواب في الفعل لا في الطعام انتهى .

                                                                      [ ص: 183 ] قال علي القاري : وبه يظهر خشيتهم من فوته ( بقية الشهر ) : أي الثامنة والعشرين والتاسعة والعشرين . وأما عدد الركعات التي صلى بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تلك الليالي فأخرجه الإمام الحافظ محمد بن نصر المروزي في قيام الليل .

                                                                      حدثنا إسحاق أخبرنا أبو الربيع حدثنا يعقوب حدثنا عيسى بن جارية عن جابر " صلى بنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في شهر رمضان ثماني ركعات وأوتر ، فلما كانت الليلة القابلة اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج فيصلي بنا فأقمنا فيه حتى أصبحنا فقلنا يا رسول الله رجونا أن تخرج فتصلي بنا فقال : " إني كرهت أو خشيت أن يكتب عليكم الوتر " حدثنا محمد بن حميد الرازي حدثنا يعقوب بن عبد الله حدثنا عيسى بن جارية عن جابر قال : " صلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رمضان ليلة ثماني ركعات والوتر " فذكر الحديث .

                                                                      حدثنا إسحاق أخبرنا النضر بن محمد حدثنا العلاء بن المسيب عن طلحة بن زيد الأنصاري عن حذيفة " أنه صلى مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذات ليلة في رمضان ، فركع فقال في ركوعه سبحان ربي العظيم مثل ما كان قائما ثم سجد فقال في سجوده سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما ، ثم جلس يقول رب اغفر لي مثل ما كان قائما ، ثم سجد فقال سبحان ربي الأعلى مثل ما كان قائما ، فما صلى إلا أربع ركعات حتى جاء بلال إلى الغداة " حدثنا محمد بن حميد الرازي حدثنا يعقوب بن عبد الله حدثنا عيسى بن جارية عن جابر قال : " جاء أبي بن كعب في رمضان فقال يا رسول الله كان مني الليلة شيء . قال وما ذاك يا أبي قال نسوة داري قلن إنا لا نقرأ القرآن فنصلي خلفك بصلاتك فصليت بهن ثماني ركعات والوتر ، فسكت عنه وكان شبه الرضا " وأخرج مالك عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنه قال : " أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة " وقال الإمام سعيد بن منصور في سننه حدثنا عبد الله بن محمد حدثني محمد بن يوسف سمعت السائب بن يزيد يقول كنا نقوم في زمان عمر بن الخطاب بإحدى عشرة ركعة " وأخرج محمد بن نصر في قيام الليل حدثنا محمد بن إسحاق حدثني محمد بن يوسف عن جده السائب بن يزيد قال : " كنا نصلي في زمن عمر في رمضان ثلاث عشرة " وأما ما قال بعض من اشتهر في رسالته تحفة الأخيار بإحياء سنة سيد الأبرار : إن التراويح عشرون ركعة سنة مؤكدة واظب عليها الخلفاء الراشدون فغلط بين لا يلتفت إليه ، لأنه لم يثبت قط أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب صليا عشرين ركعة مرة واحدة أيضا ، فضلا عن المواظبة والله أعلم . كذا في غاية المقصود ملخصا .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه . وقال الترمذي حديث حسن صحيح .




                                                                      الخدمات العلمية