الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      151 حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثني أبي عن الشعبي قال سمعت عروة بن المغيرة بن شعبة يذكر عن أبيه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركبه ومعي إداوة فخرج لحاجته ثم أقبل فتلقيته بالإداوة فأفرغت عليه فغسل كفيه ووجهه ثم أراد أن يخرج ذراعيه وعليه جبة من صوف من جباب الروم ضيقة الكمين فضاقت فادرعهما ادراعا ثم أهويت إلى الخفين لأنزعهما فقال لي دع الخفين فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان فمسح عليهما قال أبي قال الشعبي شهد لي عروة على أبيه وشهد أبوه على رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام عن قتادة عن الحسن وعن زرارة بن أوفى أن المغيرة بن شعبة قال تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر هذه القصة قال فأتينا الناس وعبد الرحمن بن عوف يصل بهم الصبح فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يتأخر فأومأ إليه أن يمضي قال فصليت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم خلفه ركعة فلما سلم قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الركعة التي سبق بها ولم يزد عليها قال أبو داود أبو سعيد الخدري وابن الزبير وابن عمر يقولون من أدرك الفرد من الصلاة عليه سجدتا السهو

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( في ركبه ) : بفتح الراء وسكون الكاف . قال الجوهري : الركب أصحاب الإبل في السفر دون الدواب ، وهم العشرة فما فوقها ، والجمع أركب ، والركبة بالتحريك أقل من الركب ، والأركوب أكثر من الركب . انتهى ( ثم أقبل ) : أي انصرف إلينا بعد قضاء حاجته ( ذراعيه ) : الذراع من المرفق إلى أطراف الأصابع ( من صوف ) : قال القرطبي : فيه أن الصوف لا ينجس بالموت لأن الشام إذ ذاك كانت دار كفر ومأكولها كلها الميتات . كذا في فتح الباري وشرح الموطأ للزرقاني ( ضيقة الكمين ) : صفة للجبة ( فادرعهما ادراعا ) : قال أبو موسى والخطابي : اذرع بالذال المعجمة على وزن افتعل ، أي اذرع ذراعيه اذراعا من ذرع ، ويجوز إهمال ذلك كما في رواية الكتاب ، ومعناه أي أخرج ذراعيه من تحت الجبة ومدهما ، والذرع بسط اليد ومدها وأصله من الذراع وهي الساعد وقال السيوطي : أي نزع ذراعيه عن كميه وأخرجهما من تحت الجبة وهو افتعال من ذرع إذا مد ذراعه كما يقال ادكر من ذكر . انتهى . ( ثم أهويت ) : أي مددت يدي . قال الأصمعي : أهويت بالشيء إذا أومأت به وقال غيره : أهويت : قصدت . وفي إرشاد الساري معناه مددت يدي أو قصدت أو أشرت أو أومأت . انتهى . ( وهما طاهرتان ) : قال النووي : فيه دليل على أن المسح لا يجوز إلا إذا لبسهما على طهارة كاملة بأن يفرغ من الوضوء بكماله ثم يلبسهما ، [ ص: 202 ] لأن حقيقة إدخالهما طاهرتين أن تكون كل واحدة منهما أدخلت وهي طاهرة . وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فمذهبنا أن يشترط لبسهما على طهارة كاملة حتى لو غسل رجله اليمنى ثم لبس خفها قبل غسل اليسرى ثم غسل اليسرى ثم لبس خفها لم يصح لبس اليمنى ، فلا بد من نزعها وإعادة لبسها ولا يحتاج إلى نزع اليسرى لكونها ألبست بعد كمال الطهارة ، وهو مذهب مالك وأحمد وإسحاق وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري ويحيى بن آدم والمزني وأبو ثور وداود : يجوز اللبس على حدث ثم يكمل طهارته ( فمسح عليهما ) : وروى الحميدي في مسنده عن المغيرة بن شعبة قال : قلنا يا رسول الله أيمسح أحدنا على الخفين ؟ قال : نعم إذا أدخلهما وهما طاهرتان وأخرج أحمد وابن خزيمة عن صفوان بن عسال قال أمرنا - يعني النبي صلى الله عليه - وسلم أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ، ثلاثا إذا سافرنا ، ويوما وليلة إذا أقمنا قال الخطابي : هو صحيح الإسناد وصححه أيضا ابن حجر في الفتح . وفيه دلالة واضحة على اشتراط الطهارة عند اللبس ( قال أبي ) : أي قال عيسى بن يونس قال أبي أي يونس بن أبي إسحاق ( عروة ) : بن المغيرة ( على أبيه ) : المغيرة بن شعبة على هذا الحديث ( وشهد أبوه ) : أي المغيرة على هذا . قال الجوهري : الشهادة خبر قاطع تقول منه : شهد الرجل على كذا . انتهى . ومراد الشعبي تثبيته هذا الحديث . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم مطولا ومختصرا . ( تخلف ) : أي تأخر عن الناس ( فذكر ) : أي المغيرة ( هذه القصة ) : أي قصة الوضوء والمسح على الخفين وإخراج اليدين عن الكمين وغير ذلك مما ذكر ( فأومأ ) : أي أشار النبي صلى الله عليه وسلم ( إليه ) : أي إلى عبد الرحمن ( أن يمضي ) : على صلاته أي يتمها ولا يتأخر عن موضعه ( سبق ) : بالبناء للمجهول أي النبي صلى الله عليه وسلم ( بها ) : أي بالركعة التي صلاها عبد الرحمن قبل مجيئه صلى الله عليه وسلم ( ولم يزد عليها ) : أي على الركعة الواحدة بعد تسليم عبد الرحمن من صلاته ( شيئا ) : أي لم يسجد سجدتي السهو . فيه دليل لمن قال ليس [ ص: 203 ] على المسبوق ببعض الصلاة سجود . قال ابن رسلان : وبه قال أكثر أهل العلم ، ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : وما فاتكم فأتموا وفي رواية فاقضوا ولم يأمر بسجود السهو ( من أدرك إلخ ) : أي من أدرك وترا من صلاة إمامه فعليه أن يسجد للسهو لأنه يجلس للتشهد مع الإمام في غير موضع الجلوس ، وبه قال جماعة من أهل العلم منهم عطاء وطاوس ومجاهد وإسحاق . ويجاب عن ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم جلس خلف عبد الرحمن ولم يسجد ولا أمر به المغيرة ، وأيضا ليس السجود إلا للسهو ولا سهو هاهنا ، وأيضا متابعة الإمام واجبة فلا يسجد لفعلها كسائر الواجبات والله أعلم . وهذه الآثار قد تتبعت في تخريجها لكن لم أقف من أخرجها موصولا .




                                                                      الخدمات العلمية