الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في زكاة السائمة

                                                                      1567 حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا حماد قال أخذت من ثمامة بن عبد الله بن أنس كتابا زعم أن أبا بكر كتبه لأنس وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه مصدقا وكتبه له فإذا فيه هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التي أمر الله عز وجل بها نبيه صلى الله عليه وسلم فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعطه فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم في كل خمس ذود شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض إلى أن تبلغ خمسا وثلاثين فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه وأن يجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليس عنده حقة وعنده ابنة لبون فإنها تقبل قال أبو داود من هاهنا لم أضبطه عن موسى كما أحب ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليس عنده إلا حقة فإنها تقبل منه قال أبو داود إلى هاهنا ثم أتقنته ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليس عنده إلا بنت مخاض فإنها تقبل منه وشاتين أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء ومن لم يكن عنده إلا أربع فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين فإذا زادت على مائتين ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلاث مائة فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة شاة ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار من الغنم ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدق ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية فإن لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها وفي الرقة ربع العشر فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها

                                                                      التالي السابق


                                                                      أي المواشي التي ترعى في الصحراء والمرعى .

                                                                      ( قال أخذت من ثمامة ) : بضم المثلثة قال الحافظ ابن حجر : صرح إسحاق بن راهويه في مسنده بأن حمادا سمعه من ثمامة وأقرأه الكتاب فانتفى تعليل من أعله [ ص: 318 ] بكونه مكاتبة ( أن أبا بكر كتبه ) : أي كتابا ( لأنس ) : ليعمل به ( عليه ) : أي على الكتاب ( حين بعثه ) : أي أنسا ( مصدقا ) : هو الذي يأخذ صدقات المسلمين ، أي حين وجه أنسا إلى البحرين عاملا على الصدقة ( وكتبه ) : أي كتب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الكتاب ( له ) : أي لأنس ( فرضها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) : أي أوجب أو شرع أو قدر لأن إيجابها بالكتاب إلا أن التحديد والتقدير عرفناه ببيان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( التي أمر الله ) : عطف على التي عطف تفسير ؛ أي الصدقة التي ( فمن سئلها ) : بصيغة المجهول أي طلبها ( على وجهها ) : حال من المفعول الثاني في سئلها أي كائنة على الوجه المشروع بلا تعد . وقال الخطابي : أي حسب ما بين رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من مقاديرها ( فليعطها ) : أي الصدقة ( ومن سئل فوقها فلا يعطه ) : يتناول على وجهين أحدهما أن لا يعطي الزيادة على الواجب ، والوجه الآخر أن لا يعطي شيئا منها لأن الساعي إذا طلب فوق الواجب كان خائنا فإذا ظهرت خيانته سقطت طاعته . وفي ذلك دليل على أن الإمام والحاكم إذا ظهر فسقهما بطل حكمهما . وفيه دليل على جواز إخراج المرء صدقة أمواله الظاهرة بنفسه دون الإمام . وفي الحديث بيان أنه لا شيء في الأوقاص وهو ما بين الفريضتين .

                                                                      وفيه دليل أن الإبل إذا زادت على عشرين ومائة لم يستأنف لها الفريضة لأنه علق بغير الفرض كالواحدة بعد الخمسة والثلاثين وبعد الخمسة والأربعين وبعد كمال الستين قاله الخطابي ( في كل خمس ذود ) : بإضافة خمس إلى ذود أي إبل وتقدم معناه ( ففيها بنت مخاض ) : وهي التي مضى عليها سنة وطعنت في الثانية وحملت أمها . والمخاض بفتح الميم والمعجمة المخففة الحامل أي دخل وقت حملها وإن لم تحمل ( فابن لبون ذكر ) : هو الذي دخل في السنة الثالثة . وقوله ذكر تأكيد لقوله ابن لبون ، وفيه دليل على جواز العدول إلى ابن اللبون عند عدم بنت المخاض ( ففيها بنت لبون ) : وهي التي أتى عليها حولان وصارت [ ص: 319 ] أمها لبونا بوضع الحمل ( ففيها حقة ) : بكسر المهملة وتشديد القاف هي التي أتت عليها ثلاث سنين وطعنت في الرابعة ( طروقة الفحل ) : بفتح أوله أي مطروقة كحلوبة بمعنى محلوبة والمراد أنها بلغت أن يطرقها الفحل وهي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة ( ففيها جذعة ) : بفتح الجيم والذال المعجمة وهي التي أتى عليها أربع سنين وطعنت في الخامسة ( ففي كل أربعين بنت لبون ) : أي إذا زاد يجعل الكل على عدد الأربعينات والخمسينات مثلا إذا زاد واحد على العدد المذكور يعتبر الكل ثلاث أربعينات ، وواحد والواحد لا شيء فيه ، وثلاث أربعينات فيها ثلاث بنات لبون إلى ثلاثين ومائة ، وفي ثلاثين ومائة حقة لخمسين وبنتا لبون لأربعين وهكذا ، ولا يظهر التغير إلا عند زيادة عشر ( فإذا تباين ) : أي اختلف الأسنان في باب الفريضة بأن يكون المفروض سنا والموجود عند صاحب المال سنا آخر ( فإنها تقبل منه ) : والمراد أن الحقة تقبل موضع الجذعة مع شاتين أو عشرين درهما ، وحمله بعض على أن ذاك تفاوت قيمة ما بين الجذعة والحقة في تلك الأيام ، فالواجب هو تفاوت القيمة لا تعيين ذلك ، فاستدل به على جواز أداء القيم في الزكاة والأكثر على تعيين ذلك القدر برضا صاحب المال وإلا فليطلب السن الواجب ، ولم يجوزوا القيمة ( استيسرتا له ) : أي كانتا موجودتين في ماشيته مثلا ( وليست عنده ) : أي صاحب المال ( فإنها تقبل ) : مبني للمفعول ( منه ) : أي صاحب المال ( ويعطيه المصدق ) : أصله المتصدق أي العامل على أخذ الصدقات بتخفيف الصاد وكسر الدال أي العامل على أخذ الصدقات من أربابها وهو المراد هاهنا يقال صدقهم يصدقهم فهو مصدق ، وأما المصدق بتشديد الصاد والدال معا وكسر الدال فهو صاحب الماشية وأصله المتصدق ( عشرين درهما أو شاتين ) : أو للتخيير [ ص: 320 ] أي فيه خيار للمصدق أي إن شاء أعطى عشرين درهما وإن شاء أعطى شاتين ( إلى هاهنا ) : أي لم أضبط هذا القدر من حديث موسى بن إسماعيل أي من قوله ويجعل معها شاتين إلى قوله إلا حقة فإنها تقبل منه ثم أتقنت الباقي من الحديث كما أحب ( فإنه يقبل منه ) : أي بدلا من بنت مخاض قهرا على الساعي ( وليس معه شيء ) : أي لا يلزمه مع ابن لبون شيء آخر من الجبران .

                                                                      قال الطيبي : وهذا يدل على أن فضيلة الأنوثة تجبر بفضل السن ( إلا أربع ) : من الإبل ( فليس فيها شيء ) : لأنه لم يبلغ النصاب ( إلا أن يشاء ربها ) : فيخرج عنها نفلا منه وإلا واجب عليه فهو استثناء منقطع ذكر لدفع توهم نشأ من قوله ليس فيها صدقة أن المنفي مطلق الصدقة لاحتمال اللفظ له ، وإن كان غير مقصود فهذه صدقة الإبل الواجبة فصلت في هذا الحديث وظاهره وجوب أعيان ما ذكر إلا أنه من لم يجد العين الواجبة أجزأه غيرها ( وفي سائمة الغنم ) : سميت به لأنه ليس له آلة الدفاع فكانت غنيمة لكل طالب ، ثم الضأن والماعز سواء في الحكم . والسائمة هي التي ترعى في أكثر السنة .

                                                                      قال في شرح السنة : فيه دليل على أن الزكاة إنما تجب في الغنم إذا كانت سائمة فأما المعلوفة فلا زكاة فيها ، ولذلك لا تجب الزكاة في عوامل البقر والإبل عند عامة أهل العلم وإن كانت سائمة وأوجبها مالك في عوامل البقر ونواضح الإبل انتهى ( فإذا زادت ) : ولو واحدة كما في كتاب عمرو بن حزم ( فإذا زادت على مائتين ) : ولو واحدة ( فإذا زادت [ ص: 321 ] على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة شاة ) : في النيل ظاهره أنه لا تجب الشاة الرابعة حتى تفي أربع مائة ، وهو قول الجمهور وفي رواية عن أحمد وبعض الكوفيين إذا زادت على ثلاثمائة واحدة وجبت الأربع انتهى .

                                                                      وفي شرح السنة : معناه أن تزيد مائة أخرى فتصير أربعمائة فيجب أربع شياه ، وهو قول عامة أهل العلم .

                                                                      وقال الحسن بن صالح إذا زادت على ثلاثمائة واحدة ففيها أربع شياه انتهى .

                                                                      ( هرمة ) : بفتح الهاء وكسر الراء هي الكبيرة التي سقطت أسنانها ( ولا ذات عوار ) : بفتح العين المهملة وضمها أي معيبة ، وقيل بالفتح العيب وبالضم العور ( ولا تيس الغنم ) : بتاء فوقية مفتوحة ثم الياء التحتانية وهو فحل الغنم ( إلا أن يشاء المصدق ) : اختلف في ضبطه فالأكثر على أنه بالتشديد والمراد المالك وهو اختيار أبي عبيد . وتقدير الحديث : لا تؤخذ هرمة ولا ذات عيب أصلا ولا يؤخذ التيس وهو فحل الغنم إلا برضا المالك لكونه يحتاج إليه ففي أخذه بغير اختياره إضرار به ، وعلى هذا فالاستثناء مختص بالثالث .

                                                                      ومنهم من ضبطه بتخفيف الصاد وهو الساعي ، وكأنه يشير بذلك إلى التفويض إليه في اجتهاده لكونه يجري مجرى الوكيل فلا يتصرف بغير المصلحة ، وهذا قول الشافعي في البويطي ولفظه ولا تؤخذ ذات عوار ، ولا تيس ولا هرمة ، إلا أن يرى المصدق أن ذلك أفضل للمساكين فيأخذ على النظر لهم كذا في فتح الباري ( ولا يجمع بين مفترق ) إلخ : قال مالك في الموطأ معنى هذا أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة وجبت فيها الزكاة فيجمعونها حتى لا يجب عليهم كلهم إلا شاة واحدة أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاة فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فيفرقونها حتى لا يكون على كل واحد منهما إلا شاة واحدة .

                                                                      قال الشافعي : هو خطاب للمالك من جهة وللساعي من جهة ، فأمر كل واحد أن لا يحدث شيئا من الجمع والتفريق خشية الصدقة فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة فيجمع أو يفرق لتقل ، والساعي يخشى أن تقل الصدقة فيجمع أو يفرق لتكثر . فمعنى قوله خشية الصدقة أي خشية أن تكثر الصدقة أو خشية أن تقل الصدقة ، فلما كان محتملا للأمرين لم يكن الحمل على أحدهما بأولى من الآخر فحمل [ ص: 322 ] عليهما معا ، لكن الأظهر حمله على المالك . ذكره في فتح الباري ( وما كان من خليطين ) : أي شريكين ( فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ) : قال الخطابي : فمعناه أن يكونا شريكين في الإبل يجب فيها الغنم فتوجد الإبل في أيدي أحدهما فتؤخذ منه صدقتها فإنه يرجع على شريكه بحصته على السوية . وفيه دلالة على أن الساعي إذا ظلم فأخذ زيادة على فرضه فإنه لا يرجع بها على شريكه وإنما يغرم له قيمة ما يخصه من الواجب دون الزيادة التي هي ظلم ، وذلك معنى قوله بالسوية . وقد يكون تراجعها من وجه آخر وهو أن يكون بين رجلين أربعون شاة لكل واحد منهما عشرون قد عرف كل واحد منهما عين ماله فيأخذ المصدق من نصيب أحدهما شاة فيرجع المأخوذ من ماله على شريكه بقيمة نصف شاته . وفيه دليل على أن الخلطة تصح مع تعين أعيان الأموال . وقد روي عن عطاء وطاوس أنهما قالا : إذا عرف الخليطان كل واحد منها أموالهما فليسا بخليطين . وقد اختلف مالك والشافعي في شرط الخليطة . فقال مالك : إذا كان الراعي والمراح والفحل واحدا فهما خليطان ، وكذلك قال الأوزاعي . وقال مالك : فإن فرقهما المبيت هذه في قرية وهذه في قرية فهما خليطان . وقال الشافعي : إن فرق بينهما في المراح فليسا بخليطة ، واشترط في الخلطة المراح والمسرح والسقي واختلاط الفحولة ، وقال إذا افترقا في شيء من هذه الخصال فليسا بخليطين إلا أن مالكا قال لا يكونان خليطين حتى يكون لكل واحد منهما تمام النصاب . وعند الشافعي إذا تم مالهما نصابا فهما خليطان وإن كان لأحدهما شاة واحدة ( إلا أن يشاء ربها ) : أي فيعطي شيئا تطوعا ( وفي الرقة ) : بكسر الراء وتخفيف القاف الفضة الخالصة مضروبة كانت أو لا ، أصله ورق وهو الفضة حذف منه الواو وعوض عنها التاء كما في عدة ودية ( ربع العشر ) : بضم الأول وسكون الثاني وضمهما فيهما يعني إذا كانت الفضة مائتي درهم فربع العشر خمسة دراهم ( إلا تسعين ومائة ) : من الدراهم . والمعنى إذا كانت الفضة ناقصة عن مائتي درهم

                                                                      قال المنذري : أخرجه النسائي وأخرجه البخاري وابن ماجه .




                                                                      الخدمات العلمية