الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      1950 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن إسمعيل حدثنا عامر أخبرني عروة بن مضرس الطائي قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموقف يعني بجمع قلت جئت يا رسول الله من جبل طيئ أكللت مطيتي وأتعبت نفسي والله ما تركت من حبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه [ ص: 334 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 334 ] ( ابن مضرس ) : بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة ثم سين مهملة ( بجمع ) : أي بالمزدلفة ( من جبل طيئ ) : هما جبل سلمى وجبل أجأ قاله المنذري . وطيئ بفتح الطاء وتشديد الياء بعدها همزة ( أكللت مطيتي ) : أي أعييت دابتي ( من حبل ) : بفتح الحاء المهملة وإسكان الموحدة أحد حبال الرمل وهو ما اجتمع فاستطال وارتفع . قاله الجوهري ( هذه الصلاة ) : يعني صلاة الفجر بمزدلفة . قال الخطابي : وظاهر قوله من أدرك معنا هذه الصلاة شرط لا يصح إلا بشهوده جمعا . وقد قال به غير واحد من أعيان أهل العلم ، قال علقمة والشعبي والنخعي : إذا فاته جمع ولم يقف به فقد فاته الحج ويجعل إحرامه عمرة ، وممن تابعهم على ذلك أبو عبد الرحمن الشافعي ، وإليه ذهب ابن خزيمة وابن جرير الطبري واحتجوا بقوله تعالى : فاذكروا الله عند المشعر الحرام وهذا نص والأمر على الوجوب فتركه لا يجوز بوجه .

                                                                      وقال أكثر الفقهاء : إن فاته المبيت بالمزدلفة والوقوف بها أجزأه وعليه دم ، انتهى كلامه ( ليلا أو نهارا ) : تمسك بهذا أحمد بن حنبل فقال : وقت الوقوف لا يختص بما بعد الزوال ، بل وقته ما بين طلوع الفجر يوم عرفة وطلوعه يوم العيد ؛ لأن لفظ الليل والنهار مطلقان ، وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد بالنهار ما بعد الزوال بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين بعده لم يقفوا إلا بعد الزوال ولم ينقل عن أحد أنه وقف قبله ، فكأنهم جعلوا هذا الفعل مقيدا لذلك المطلق ( فقد تم حجه ) : فاعل تم .

                                                                      قال الخطابي : يريد به معظم الحج وهو الوقوف ؛ لأنه هو الذي يخاف عليه الفوات فأما طواف الزيارة فلا يخشى فواته ، وهذا كقوله : الحج عرفة أي معظم الحج هو الوقوف ( وقضى ) : ذلك الحاج ( تفثه ) : مفعول قضى قيل المراد به أنه أتى بما عليه من المناسك ، والمشهور أن التفث ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر أو حلقه وحلق العانة ونتف الإبط وغيره من خصال الفطرة ، ويدخل في ضمن ذلك نحر البدن وقضاء جميع المناسك ؛ لأنه لا يقضي التفث إلا بعد ذلك . وأصل التفث الوسخ والقذر .

                                                                      [ ص: 335 ] قال الخطابي : في هذا الحديث من الفقه أن من وقف بعرفات وقفة بعد الزوال من يوم عرفة إلى أن يطلع الفجر من يوم النحر ، فقد أدرك الحج وقال أصحاب مالك : النهار تبع الليل في الوقوف فمن لم يقف بعرفة حتى تغرب الشمس فقد فاته الحج وعليه حج من قابل . وروي عن الحسن أنه قال عليه هدي من الإبل ، وحجة تامة ، وقال أكثر الفقهاء : من صدر يوم عرفة قبل غروب الشمس فعليه دم وحجة تامة ، كذلك قال عطاء وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه ، وهو قول الشافعي وأحمد بن حنبل . وقال مالك والشافعي : فمن دفع من عرفة قبل غروب الشمس ثم رجع إليها قبل طلوع الفجر فلا شيء عليه . وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا رجع بعد غروب الشمس ووقف لم يسقط عنه الدم . انتهى .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه . وقال الترمذي : حسن صحيح ، هذا آخر كلامه . قال علي بن المديني : عروة بن مضرس لم يرو عنه الشعبي ، انتهى كلامه .

                                                                      قلت : عامر هو الشعبي وهو يقول أخبرني عروة بن المضرس ، فكيف يقال عروة بن مضرس لم يرو عنه الشعبي ، والحديث أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم والدارقطني وصححه الحاكم والدارقطني والقاضي أبو بكر بن العربي على شرطهما كذا في الشرح .




                                                                      الخدمات العلمية