الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      2032 حدثنا حامد بن يحيى حدثنا عبد الله بن الحارث عن محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي عن أبيه عن عروة بن الزبير عن الزبير قال لما أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من لية حتى إذا كنا عند السدرة وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في طرف القرن الأسود حذوها فاستقبل نخبا ببصره و قال مرة واديه ووقف حتى اتقف الناس كلهم ثم قال إن صيد وج وعضاهه حرام محرم لله وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره لثقيف

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( من لية ) : بكسر اللام وتشديد المثناة التحتية غير منصرف جبل قرب الطائف أعلاه لثقيف وأسفله لنصر بن معاوية مر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند انصرافه من حنين يريد الطائف وأمر وهو به بهدم حصن مالك بن عوف قائد غطفان ( في طرف القرن ) : بفتح القاف وسكون الراء جبل صغير في الحجاز بقرب الطائف ( حذوها ) : أي مقابل السدرة ( فاستقبل نخبا ) : بفتح النون وكسر الخاء ثم الباء الموحدة واد بالطائف ، قيل بينه وبين الطائف ساعة كذا في المراصد .

                                                                      ( ببصره ) : متعلق استقبل أي استقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - نخبا ببصره وعينه ( وقال ) : الراوي ( مرة ) : أخرى ( واديه ) : أي استقبل وادي الطائف وهو نخب ( ووقف ) : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( حتى اتقف الناس ) : أي حتى وقفوا اتقف مطاوع وقف ، تقول وقفته فاتقف مثل وعدته فاتعد ، والأصل فيه اوتقف فقلبت الواو ياء لسكونها وكسر ما قبلها ثم قلبت الياء تاء وأدغمت في تاء الافتعال ( ثم قال ) : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إن صيد وج ) : بالفتح ثم التشديد واد بالطائف به كانت غزوة النبي - صلى الله عليه وسلم - للطائف ، وقيل هو الطائف . كذا في المراصد . وقال ابن رسلان : هو أرض بالطائف عند أهل اللغة . وقال أصحابنا : هو واد بالطائف ، وقيل كل الطائف انتهى .

                                                                      وقال الحازمي في المؤتلف والمختلف في الأماكن . وج اسم لحصون الطائف ، وقيل : الواحد منها ، وإنما اشتبه وج بوح بالحاء المهملة وهي ناحية نعمان ( وعضاهه ) : قال في النيل : بكسر العين المهملة وتخفيف الضاد المعجمة كل شجر فيه شوك ، واحدتها عضاهة وعضهة .

                                                                      [ ص: 11 ] قال الجوهري : العضاه كل شجر يعظم وله شوك ( حرم ) : بفتح الحاء والراء الحرام كقولهم زمن وزمان ( محرم لله ) : تأكيد للحرمة .

                                                                      قال في النهاية : يحتمل أن يكون على سبيل الحمى له ، ويحتمل أن يكون محرمة في وقت معلوم ثم نسخ ، وكذا قال الخطابي كما سيجيء .

                                                                      والحديث يدل على تحريم صيد وج وشجره وقد ذهب إلى كراهته الشافعي وجزم جمهور أصحاب الشافعي بالتحريم ، وقالوا إن مراد الشافعي بالكراهة كراهة التحريم ، قال ابن رسلان في شرح السنن بعد أن ذكر قول الشافعي في الإملاء : وللأصحاب فيه طريقان أصحهما وهو الذي أورده الجمهور القطع بتحريمه ، قالوا ومراد الشافعي بالكراهة كراهة التحريم ، ثم قال وفيه طريقان أصحهما وهو قول الجمهور يعني من أصحاب الشافعي أنه يأثم فيؤدبه الحاكم على فعله ولا يلزمه شيء ، لأن الأصل عدم الضمان إلا فيما ورد به الشرع ولم يرد في هذا شيء ، والطريق الثاني حكمه في الضمان حكم المدينة وشجرها . وفي وجوب الضمان فيه خلاف انتهى

                                                                      ( وذلك ) : يعني تحريم وج ( قبل نزوله ) - صلى الله عليه وسلم - : ( الطائف وحصاره لثقيف ) : وكانت غزوة الطائف في شوال سنة ثمان ، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريبا من حصن الطائف وعسكر هناك فحاصر ثقيفا ثمانية عشر يوما . وقال ابن إسحاق بضعا وعشرين ليلة .

                                                                      وقوله وذلك قبل نزوله الطائف ليس من قول أبي داود المؤلف ولا شيخه حامد بن يحيى لأن أحمد بن حنبل أخرجه من طريق عبد الله بن الحارث . وفيه هذه الجملة أيضا ، فيشبه أن يكون هذا القول ما دون زبير بن العوام الصحابي . قال الخطابي : ولست أعلم لتحريمه وجها إلا أن يكون ذلك على سبيل الحمى لنوع من منافع المسلمين ، وقد يحتمل أن يكون ذلك التحريم إنما كان في وقت معلوم وفي مدة محصورة ثم نسخ ، ويدل على ذلك قوله وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره ثقيفا ثم عاد الأمر فيه إلى الإباحة كسائر بلاد الحل .

                                                                      ومعلوم أن عسكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزلوا بحضرة الطائف وحصروا أهلها ارتفقوا بما نالته أيديهم من شجر وصيد ومرفق ، فدل ذلك على أنها حل مباح ، وليس يحضرني في هذا وجه غير ما ذكرته انتهى .

                                                                      قال في الشرح : قلت في ثبوت هذا القول - أي كون تحريم وج قبل نزول الطائف - نظر ، لأن محمد بن إسحاق قال في مغازيه ما ملخصه : إن رجالا من ثقيف قدموا على [ ص: 12 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة بعد وقعة الطائف ، فضرب عليهم قبة في ناحية مسجده ، وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كتبوا كتابهم ، وكان خالد هو الذي كتبه ، وكان كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كتب لهم أي بعد إسلام أهل الطائف : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين أن عضاهه وصيده حرام لا يعضد ، من وجد يصنع شيئا من ذلك فإنه يجلد وينزع ثيابه ، فإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ النبي محمدا ، وأن هذا أمر النبي محمد رسول الله . وكتب خالد بن سعيد بأمر الرسول محمد بن عبد الله فلا يتعداه أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . انتهى ملخصا محررا من زاد المعاد .

                                                                      ثم قال ابن القيم : إن وادي وج ، وهو واد بالطائف حرم يحرم صيده وقطع شجره ، وقد اختلف الفقهاء في ذلك ، والجمهور قالوا : ليس في البقاع حرم إلا مكة والمدينة ، وأبو حنيفة رحمه الله خالفهم في حرم المدينة .

                                                                      وقال الشافعي رحمه الله في أحد قوليه : وج حرم يحرم صيده وشجره ، واحتج لهذا القول بحديثين أحدهما هذا الذي تقدم ، والثاني حديث عروة بن الزبير عن أبيه الزبير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن صيد وج وعضاهه حرم محرم لله ، ورواه الإمام أحمد وأبو داود ، وهذا الحديث يعرف لمحمد بن عبد الله بن إنسان عن أبيه عن عروة . قال البخاري في تاريخه : لا يتابع عليه .

                                                                      قلت : وفي سماع عروة عن أبيه نظر وإن كان قد رآه والله أعلم . انتهى .

                                                                      والحديث سكت عنه أبو داود وكذا عبد الحق أيضا ، وتعقب بما نقل عن البخاري أنه لم يصح ، وكذا قال الأزدي . وذكر الذهبي أن الشافعي صححه ، وذكر الخلال أن أحمد ضعفه . وقال ابن حبان : محمد بن عبد الله المذكور كان يخطئ ومقتضاه تضعيف الحديث فإنه ليس له غيره ، فإن كان أخطأ فيه فهو ضعيف . وقال العقيلي : لا يتابع إلا من جهة تقاربه في الضعف . وقال النووي في شرح المهذب إسناده ضعيف . قال وقال البخاري لا يصح .

                                                                      وذكر الخلال في العلل أن أحمد ضعفه . وقال الذهبي في ترجمة محمد بن عبد الله بن شيبان : هذا صوابه ابن إنسان . وقال في ترجمة عبد الله بن إنسان له حديث في صيد وج ، قال ولم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا هذا الحديث .

                                                                      وقال المنذري في إسناده : محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي وأبوه ، فأما محمد [ ص: 13 ] فسئل عنه أبو حاتم الرازي فقال ليس بالقوي وفي حديثه نظر ، وذكره البخاري في تاريخه الكبير وذكر له هذا الحديث وقال : لم يتابع عليه ، وذكر أباه وأشار إلى هذا الحديث وقال ولم يصح حديثه . وقال البستي : عبد الله بن إنسان روى عنه ابنه محمد لم يصح حديثه .




                                                                      الخدمات العلمية