الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      2093 حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد يعني ابن زريع ح و حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا حماد المعنى حدثني محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها والإخبار في حديث يزيد قال أبو داود وكذلك رواه أبو خالد سليمان بن حيان ومعاذ بن معاذ عن محمد بن عمرو حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن إدريس عن محمد بن عمرو بهذا الحديث بإسناده زاد فيه قال فإن بكت أو سكتت زاد بكت قال أبو داود وليس بكت بمحفوظ وهو وهم في الحديث الوهم من ابن إدريس أو من محمد بن العلاء قال أبو داود ورواه أبو عمرو ذكوان عن عائشة قالت يا رسول الله إن البكر تستحي أن تتكلم قال سكاتها إقرارها [ ص: 93 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 93 ] ( أخبرنا حماد ) : هو ابن سلمة ( المعنى ) : واحد . والحاصل أن يزيد بن زريع وحماد بن سلمة كلاهما يرويان عن محمد بن عمرو ، فيزيد يروي بلفظ حدثني محمد بن عمرو ، وحماد بصيغة عن ومعنى حديثهما واحد وإن تغاير في بعض اللفظ ( تستأمر اليتيمة ) هي صغيرة لا أب لها ، والمراد هنا البكر البالغة سماها باعتبار ما كانت كقوله تعالى وآتوا اليتامى أموالهم وفائدة التسمية مراعاة حقها والشفقة عليها في تحري الكفاية والصلاح ، فإن اليتيم مظنة الرأفة والرحمة . ثم هي قبل البلوغ لا معنى لإذنها ولا لإبائها ، فكأنه عليه السلام شرط بلوغها ، فمعناه لا تنكح حتى تبلغ فتستأمر أي تستأذن .

                                                                      كذا قال القاري في المرقاة ( وإن أبت فلا جواز عليها ) : بفتح الجيم أي فلا تعد عليها ولا إجبار . قال الخطابي في المعالم : واليتيمة هاهنا هي البكر البالغة التي مات أبوها قبل بلوغها فلزمها اسم اليتيم فدعيت به وهي بالغة . والعرب ربما دعت الشيء بالاسم الأول الذي إنما سمي به لمعنى متقدم ثم ينقطع ذلك المعنى ولا يزول الاسم .

                                                                      وقال : وقد اختلف العلماء في جواز إنكاح غير الأب للصغيرة ، فقال الشافعي : لا يزوجها غير الأب والجد ولا يزوجها الأخ ولا العم ولا الوصي .

                                                                      وقال الثوري : لا يزوجها الوصي . وقال حماد بن سليمان ومالك بن أنس : للوصي أن يزوج اليتيمة قبل البلوغ ، وروي ذلك عن شريح . وقال أصحاب الرأي : لا يزوجها الوصي حتى يكون وليا لها ، وللولي أن يزوجها وإن لم يكن وصيا لأن لها الخيار إذا بلغت انتهى .

                                                                      وقال الترمذي بعد إخراج هذا الحديث : اختلف أهل العلم في تزويج اليتيمة فرأى بعض أهل العلم أن اليتيمة إذا زوجت فالنكاح موقوف حتى تبلغ ، فإذا بلغت فلها الخيار في إجازة النكاح أو فسخه ، وهو قول بعض التابعين وغيرهم وقال بعضهم : لا يجوز نكاح [ ص: 94 ] اليتيمة حتى تبلغ ولا يجوز الخيار في النكاح ، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وغيرهما من أهل العلم . وقال أحمد وإسحاق إذا بلغت اليتيمة تسع سنين فزوجت فرضيت فالنكاح جائز ولا خيار لها إذا أدركت ، واحتجا بحديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنى بها وهي بنت تسع سنين ، وقد قالت عائشة : إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي قال الترمذي : حديث حسن .

                                                                      ( ورواه أبو عمر وذكوان عن عائشة قالت يا رسول الله إلخ ) : هكذا ذكره معلقا وقد أخرجه البخاري ومسلم والنسائي مسندا بمعناه ( قال سكاتها إقرارها ) : وفي رواية للبخاري : سكاتها إذنها . وفي أخرى له رضاها صمتها .

                                                                      قال ابن المنذر : يستحب إعلام البكر أن سكوتها إذن لكن لو قالت بعد العقد ما علمت أن صمتي إذن لم يبطل العقد بذلك عند الجمهور ، وأبطله بعض المالكية . وقال ابن شعبان منهم يقال لها ذلك ثلاثا إن رضيت فاسكتي وإن كرهت فانطقي . وقال بعضهم : يطال المقام عندها لئلا تخجل فيمنعها ذلك من المسارعة . واختلفوا فيما إذا لم تتكلم بل ظهرت منها قرينة السخط أو الرضا بالتبسم مثلا أو البكاء ، فعند المالكية إن نفرت أو بكت أو قامت أو ظهر منها ما يدل على الكراهة لم تزوج . وعند الشافعية لا أثر لشيء من ذلك في المنع إلا إن قرنت مع البكاء الصياح ونحوه .

                                                                      وفرق بعضهم بين الدمع ، فإن كان حارا دل على المنع وإن كان باردا دل على الرضا . وفي هذا الحديث إشارة إلى أن البكر التي أمر باستئذانها هي البالغ ، إذ لا معنى لاستئذان من لا تدري ما الإذن ومن يستوي سكوتها وسخطها . كذا في الفتح .




                                                                      الخدمات العلمية