الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب الخاتم يكون فيه ذكر الله تعالى يدخل به الخلاء

                                                                      19 حدثنا نصر بن علي عن أبي علي الحنفي عن همام عن ابن جريج عن الزهري عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه قال أبو داود هذا حديث منكر وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه والوهم فيه من همام ولم يروه إلا همام

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( هذا حديث ) : أي حديث همام عن ابن جريج ( منكر ) : المنكر ما رواه [ ص: 34 ] الضعيف مخالفا للثقة ( وإنما يعرف ) : بالبناء للمجهول هذا الحديث ( عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس ) : وهذا الحديث هو المعروف ، والمعروف مقابل المنكر ، لأنه إن وقعت مخالفة الحديث القوي مع الضعيف ، فالراجح يقال له المعروف ومقابله يقال له المنكر .

                                                                      قلت : والتمثيل به للمنكر إنما هو على مذهب ابن الصلاح من عدم الفرق بين المنكر والشاذ .

                                                                      وقال السخاوي في فتح المغيث وكذا قال النسائي إنه غير محفوظ . انتهى .

                                                                      وهمام ثقة احتج به أهل الصحيح ولكنه خالف الناس ، ولم يوافق أبو داود على الحكم عليه بالنكارة ، فقد قال موسى بن هارون : لا أدفع أن يكونا حديثين ، ومال إليه ابن حبان فصححهما معا ، ويشهد له أن ابن سعد أخرج بهذا السند أن أنسا نقش في خاتمه محمد رسول الله .

                                                                      قال : فكان إذا أراد الخلاء وضعه ; لا سيما وهمام لم ينفرد به بل تابعه عليه يحيى بن المتوكل عن ابن جريج ، وصححه الحاكم على شرط الشيخين ولكنه متعقب فإنهما لم يخرجا لكل منهما على انفراده .

                                                                      وقول الترمذي إنه حسن صحيح غريب فيه نظر ، وبالجملة فقد قال شيخنا إنه لا علة له عندي إلا تدليس ابن جريج فإن وجد عنه التصريح بالسماع فلا مانع من الحكم بصحته في نقدي . انتهى .

                                                                      [ ص: 35 ] وقد روى ابن عدي حدثنا محمد بن سعد الحراني حدثنا عبد الله بن محمد بن عيشون حدثنا أبو قتادة عن ابن جريج عن ابن عقيل - يعني عبد الله بن محمد بن عقيل - عن عبد الله بن جعفر قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس خاتمه في يمينه .

                                                                      وقال : كان ينزع خاتمه إذا أراد الجنابة ، ولكن أبو قتادة وهو عبد الله بن واقد الحراني مع كونه صدوقا كان يخطئ ، ولذا أطلق غير واحد تضعيفه ، وقال البخاري منكر الحديث تركوه ، بل قال أحمد أظنه كان يدلس ، وأورده شيخنا في المدلسين .

                                                                      وقال إنه متفق على ضعفه ، ووصفه أحمد بالتدليس . انتهى فروايته لا تعلي رواية همام انتهى .

                                                                      وقال السيوطي في مرقاة الصعود : أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن المتوكل البصري عن ابن جريج عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خاتما نقشه محمد رسول الله ، فكان إذا دخل الخلاء وضعه .

                                                                      وقال وهذا شاهد ضعيف .

                                                                      قال الحافظ ابن حجر : وقد نوزع أبو داود في حكمه على هذا الحديث بالنكارة مع أن رجاله رجال الصحيح .

                                                                      والجواب أنه حكم بذلك لأن هماما انفرد به عن ابن جريج ، وهمام وإن كان من رجال الصحيح فإن الشيخين لم يخرجا من رواية همام عن ابن جريج شيئا لأنه لما أخذ عنه كان بالبصرة ، والذين سمعوا من ابن جريج بالبصرة في حديثهم خلل من قبله ، والخلل في هذا الحديث من قبل ابن جريج دلسه عن الزهري بإسقاط الواسطة وهو زياد بن سعد ، ووهم همام في لفظه على ما جزم به أبو داود وغيره ، وهذا وجه حكمه عليه بكونه منكرا قال : وحكم النسائي عليه بكونه غير محفوظ أصوب فإنه شاذ في الحقيقة إذ المنفرد به من شرط الصحيح لكنه بالمخالفة صار حديثه شاذا .

                                                                      قال : وأما متابعة يحيى بن المتوكل له عن ابن جريج فقد تفيد لكن يحيى بن معين قال فيه : لا أعرفه ، أي أنه مجهول العدالة ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال : كان يخطئ .

                                                                      قال على أن للنظر مجالا في تصحيح حديث همام لأنه مبني على أن أصله حديث الزهري عن أنس في اتخاذ الخاتم ، ولا مانع أن يكون هذا متنا آخر غير ذلك المتن ، وقد مال إلى ذلك ابن حبان فصححهما جميعا ولا علة له عندي إلا تدليس ابن جريج ، فإن وجد عنه التصريح بالسماع فلا مانع من الحكم بصحته . انتهى كلام الحافظ في نكته على ابن الصلاح . انتهى .

                                                                      [ ص: 36 ] ( إن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق ) : هذا الحديث أخرجه المؤلف في باب ما جاء في ترك الخاتم من كتاب الخاتم ولفظه حدثنا محمد بن سليمان عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن أنس أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدا فصنع الناس فلبسوا وطرح النبي صلى الله عليه وسلم فطرح الناس قال أبو داود رواه الزهري وزياد بن سعد وشعيب وابن مسافر كلهم قال من ورق ( والوهم فيه ) : أي في هذا الحديث في إتيان هذه الجملة " إذا دخل الخلاء وضع خاتمه " ( من همام ولم يروه ) : حديث أنس بهذه الجملة ( إلا همام ) : وقد خالف همام جميع الرواة عن ابن جريج لأنه روى عبد الله بن الحارث المخزومي وأبو عاصم وهشام بن سليمان وموسى بن طارق كلهم عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب ، فاضطرب الناس الخواتيم فرمى به النبي صلى الله عليه وسلم وقال لا ألبسه أبدا وهذا هو المحفوظ ، والصحيح عن ابن جريج قاله الدارقطني في كتاب العلل .




                                                                      الخدمات العلمية