الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      286 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن أبي عدي عن محمد يعني ابن عمرو قال حدثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان دم الحيضة فإنه أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق قال أبو داود و قال ابن المثنى حدثنا به ابن أبي عدي من كتابه هكذا ثم حدثنا به بعد حفظا قال حدثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة كانت تستحاض فذكر معناه قال أبو داود وقد روى أنس بن سيرين عن ابن عباس في المستحاضة قال إذا رأت الدم البحراني فلا تصلي وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلي و قال مكحول إن النساء لا تخفى عليهن الحيضة إن دمها أسود غليظ فإذا ذهب ذلك وصارت صفرة رقيقة فإنها مستحاضة فلتغتسل ولتصل قال أبو داود وروى حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القعقاع بن حكيم عن سعيد بن المسيب في المستحاضة إذا أقبلت الحيضة تركت الصلاة وإذا أدبرت اغتسلت وصلت وروى سمي وغيره عن سعيد بن المسيب تجلس أيام أقرائها وكذلك رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال أبو داود وروى يونس عن الحسن الحائض إذا مد بها الدم تمسك بعد حيضتها يوما أو يومين فهي مستحاضة و قال التيمي عن قتادة إذا زاد على أيام حيضها خمسة أيام فلتصل و قال التيمي فجعلت أنقص حتى بلغت يومين فقال إذا كان يومين فهو من حيضها و سئل ابن سيرين عنه فقال النساء أعلم بذلك

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( إذا كان ) : تامة بمعنى وجد ( يعرف ) : فيه احتمالان : الأول أنه على صيغة المجهول من المعرفة . قال ابن رسلان : أي تعرفه النساء . قال الطيبي : أي تعرفه النساء باعتبار لونه وثخانته كما تعرفه باعتبار عادته . والثاني أنه على صيغة المعروف من [ ص: 361 ] الأعراف ، أي له عرف ورائحة ( فإذا كان ذلك ) : بكسر الكاف ، أي كان الدم دما أسود ( فإذا كان الآخر ) : بفتح الخاء ، أي الذي ليس بتلك الصفة ( فتوضئي ) : أي بعد الاغتسال ( وصلي فإنما هو ) : أي الدم الذي على غير صفة السواد ( عرق ) : أي دم عرق . قال في سبل السلام : وهذا الحديث فيه رد المستحاضة إلى صفة الدم بأنه إذا كان بتلك الصفة فهو حيض وإلا فهو استحاضة ، وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم قال لها إنما ذلك عرق ، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي ولا ينافيه هذا الحديث فإنه يكون قوله " إن دم الحيض أسود يعرف " بيانا لوقت إقبال الحيضة وإدبارها ، فالمستحاضة إذا ميزت أيام حيضها إما بصفة الدم أو بإتيانه في وقت عادتها إن كانت معتادة عملت بعادتها ، ففاطمة هذه يحتمل أنها كانت معتادة ، فيكون قوله فإذا أقبلت حيضتك أي بالعادة أو غير معتادة ، فيراد بإقبال حيضتها الصفة ، ولا مانع من اجتماع المعرفتين في حقها وحق غيرها . انتهى كلامه .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه النسائي حسن . ( قال ابن المثنى حدثنا به ) : بالحديث المذكور ( ابن أبي عدي من كتابه هكذا ) : أي من غير ذكر عائشة بين عروة وفاطمة ( ثم حدثنا به ) : بالحديث المذكور ( بعد ) : أي بعد [ ص: 362 ] ذلك . والحاصل أن ابن أبي عدي لما حدث ابن المثنى من كتابه حدثه من غير ذكر عائشة بين عروة وفاطمة ولما حدثه من حفظه ذكر عائشة بين عروة وفاطمة . قال ابن القطان : هذا الحديث منقطع . وأجاب ابن القيم بأنه ليس كذلك ، فإن محمد بن أبي عدي مكانه من الحفظ والإتقان لا يجهل ، وقد حفظه وحدث به مرة عن عروة عن فاطمة ، ومرة عن عائشة عن فاطمة ، وقد أدرك كلتيهما وسمع منهما بلا ريب ، ففاطمة بنت عمه وعائشة خالته ، فالانقطاع الذي رمي به الحديث مقطوع دابره ، وقد صرح بأن فاطمة حدثته . ( الدم البحراني ) : بفتح الباء . قال الخطابي : يريد الدم الغليظ الواسع يخرج من قعر الرحم ونسب إلى البحر لكثرته وسعته ، والبحر التوسع في الشيء والانبساط . وفي المصباح المنير البحر معروف ويقال للدم الخالص الشديد الحمرة باحر وبحراني ( وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلي ) : والمعنى أن المستحاضة إذا رأت دما شديد الحمرة فلا تصلي ، وإذا رأت الطهر وهو انقطاع الدم البحراني فلتغتسل وتصلي فجعل ابن عباس رضي الله عنه علامة دم الحيض خروج الدم البحراني ، وعلامة دم الاستحاضة [ ص: 363 ] خروج غير الدم البحراني ( إذا مد بها الدم ) : أي استمر الدم بعد انقضاء مدته المعلومة ( تمسك ) : المرأة عن الصلاة وغيرها ( فهي ) : بعد ذلك ( مستحاضة ) : أخرجه الدارمي بلفظ " إذا رأت الدم فإنها تمسك عن الصلاة بعد أيام حيضها يوما أو يومين ثم هي بعد ذلك مستحاضة " ( قال التيمي فجعلت أنقص ) : الأيام التي زادت على أيام حيضها ( فقال ) : قتادة مجيبا ( إذا كان ) : اليوم الزائد ( يومين فهو من حيضها ) : فلا تصلي فيه . أخرج الدارمي : أخبرنا محمد بن عيسى حدثنا معتمر عن أبيه قال قلت لقتادة : امرأة كان حيضها معلوما فزادت عليه خمسة أيام أو أربعة أيام أو ثلاثة أيام . قال : تصلي . قلت : يومين . قال : ذلك من حيضها . وسألت ابن سيرين قال : النساء أعلم بذلك ( وسئل ابن سيرين عنه فقال النساء أعلم بذلك ) : فهن يميزن دم الحيض عن دم الاستحاضة ، وكأن ابن سيرين لم يجبه وأحال على النساء .




                                                                      الخدمات العلمية