الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      3300 حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس فسأل عنه قالوا هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم قال مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( فسأل ) النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ( عنه ) عن قيامه في الشمس أو عن اسمه ( هذا أبو إسرائيل ) أي هو ملقب بذلك ، وأبو إسرائيل هذا رجل من بني عامر بن لؤي من بطون قريش . [ ص: 89 ] قال القاضي : الظاهر من اللفظ أن المسئول عنه هو اسمه ولذا أجيب بذكر اسمه وأن ما بعده زيادة في الجواب ( ولا يتكلم ) مطلقا ( وليتم ) بسكون اللام وكسرها في الجميع ( صومه ) أي ليكمل صومه . وفيه دليل على أن كل شيء يتأذى به الإنسان مما لم يرد بمشروعيته كتاب ولا سنة كالمشي حافيا والجلوس في الشمس ليس من طاعة الله تعالى فلا ينعقد النذر به ، فإنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا إسرائيل في هذا الحديث بإتمام الصوم دون غيره ، وهو محمول على أنه علم أنه لا يشق عليه .

                                                                      قال القرطبي في قصة أبي إسرائيل : هذا أعظم حجة للجمهور في عدم وجوب الكفارة على من نذر معصية أو ما لا طاقة فيه .

                                                                      قال مالك : لم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بكفارة .

                                                                      قال الخطابي : قد تضمن نذره نوعين الطاعة والمعصية ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بما كان منها من طاعة وهو الصوم ، وأن يترك ما ليس بطاعة من القيام في الشمس وترك الكلام وترك الاستظلال بالظل ، وذلك أن هذه الأمور مشاق تتعب البدن وتؤذيه ، وليس في شيء منها قربة إلى الله تعالى وقد وضع عن الأمة الأغلال التي كانت على من قبلهم ، وتنقلب النذر فيه معصية ، فلا يلزم الوفاء ولا تجب الكفارة فيه انتهى .

                                                                      وقال العيني : وإنما أمره بإتمام الصوم لأن الصوم قربة بخلاف أخواته وفيه دليل على أن السكوت عن المباح أو عن ذكر الله ليس بطاعة ، وكذلك الجلوس في الشمس ، وفي معناه كل ما يتأذى به الإنسان مما لا طاعة فيه ولا قربة بنص كتاب أو سنة كالجفاء ، وإنما الطاعة ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم انتهى .

                                                                      وفيه دليل أيضا على إبطال ما أحدثته الجهلة المتصوفة من الأشغال الشديدة المحدثة والأعمال الشاقة المنكرة ويزعمون أنها طريقة تزكية أنفاسهم ، وهذا جهل منهم عن أحكام الشريعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك لنا شيئا إلا بينه . فمن أين وجدوها؟ ومن أين أخذوها؟ والله أعلم . والحديث أخرجه البخاري وابن ماجه .




                                                                      الخدمات العلمية