الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      3349 حدثنا الحسن بن علي حدثنا بشر بن عمر حدثنا همام عن قتادة عن أبي الخليل عن مسلم المكي عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذهب بالذهب تبرها وعينها والفضة بالفضة تبرها وعينها والبر بالبر مدي بمدي والشعير بالشعير مدي بمدي والتمر بالتمر مدي بمدي والملح بالملح مدي بمدي فمن زاد أو ازداد فقد أربى ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا ولا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا قال أبو داود روى هذا الحديث سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي عن قتادة عن مسلم بن يسار بإسناده حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن خالد عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر يزيد وينقص وزاد قال فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( تبرها وعينها ) التبر الذهب الخالص والفضة قبل أن يضربا دنانير ودراهم ، فإذا ضربا كانا عينا . قاله في المجمع . قال الخطابي : والمعنى كلاهما سواء ، فلا يجوز بيع مثقال ذهب عينا بمثقال وشيء من تبر غير مضروب ، وكذلك لا يجوز التفاوت بين [ ص: 155 ] المضروب من الفضة وغير المضروب منها انتهى محصلا ( مدي بمدي ) بضم الميم وسكون الدال مكيال يسع خمسة عشر مكوكا . كذا في المجمع . قال الخطابي : والمدي مكيال معروف ببلاد الشام ، وبلاد مصر به يتعاملون وأحسبه خمسة عشر مكوكا والمكوك صاع ونصف انتهى ، والمعنى مكيال بمكيال ( فمن زاد ) أي أعطى الزيادة ( أو ازداد ) أي طلب الزيادة ( فقد أربى ) أي أوقع نفسه في الربا المحرم .

                                                                      قال التوربشتي : أي أتى الربا وتعاطاه . ومعنى اللفظ أخذ أكثر مما أعطاه من ربا الشيء يربو إذا زاد ( والفضة أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا ) نسيئة بوزن كريمة وبالإدغام نحو مرية وبحذف الهمزة وكسر النون نحو جلسة .

                                                                      قال الخطابي : فيه بيان أن التقابض شرط في صحة البيع في كل ما يجري فيه الربا من ذهب وفضة وغيرهما من المطعوم وإن اختلف الجنسان ، ألا تراه يقول : ولا بأس ببيع البر بالشعير ، والشعير أكثرهما يدا بيد وأما النسيئة فلا ، فنص عليه كما ترى . وجوز أهل العراق بيع البر بالشعير من غير تقابض وصاروا إلى أن القبض إنما يجب في الصرف دون ما سواه وقد اجتمعت بينهما النسيئة فلا معنى للتفريق بينهما ، وجملته أن الجنس الواحد مما فيه الربا لا يجوز فيه التفاضل نسئا ولا نقدا وأن الجنسين لا يجوز فيهما التفاضل نسئا ويجوز نقدا انتهى ( قال أبو داود روى هذا الحديث إلخ ) يعني أن سعيدا وهشاما رويا هذا الحديث عن قتادة عن مسلم بلا واسطة أبي الخليل .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه ، والنسائي بنحوه وفي ألفاظه زيادة ونقص [ ص: 156 ] . ( إذا كان ) أي للبيع ( يدا بيد ) أي حالا مقبوضا في المجلس قبل افتراق أحدهما عن الآخر .

                                                                      ( بقلادة ) بكسر القاف ما يعلق في العنق ونحوه ( وخرز ) بفتح الخاء المعجمة والراء جمع خرزة بفتحتين وهي بالفارسية مهرة ( معلقة ) وفي بعض النسخ مغلقة بالغين المعجمة ( ابتاعها ) أي اشتراها ( حتى تميز بينه وبينه ) أي بين الذهب والخرز ( إنما أردت الحجارة ) يعني الخرزة أي المقصود الأصلي هو الخرز ، وليست الخرز من أموال الربا ، والذهب إنما هو بالتبع ( قال ابن عيسى أردت التجارة ) أي قال لفظ التجارة مكان لفظ الحجارة ( وكان في كتابه الحجارة أي في كتاب ابن عيسى ، ووقع في بعض النسخ فغيره فقال : التجارة ، ولم يوجد هذا اللفظ في عامة النسخ الحاضرة .

                                                                      [ ص: 157 ] قال الخطابي : في هذا الحديث نهى عن بيع الذهب بالذهب مع أحدهما شيء غير الذهب ، وممن قال إن هذا البيع فاسد شريح ومحمد بن سيرين والنخعي ، وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وسواء عندهم كان الذهب الذي هو الثمن أكثر من الذهب التي هو مع السلعة أو أقل .

                                                                      وقال أبو حنيفة : إن كان الثمن أكثر مما فيه من الذهب جاز ، وإن كان مثله أو أقل منه لم يجز ، وذهب مالك إلى نحو من هذا في القلة والكثرة إلا أنه حد الكثرة بالثلثين والقلة بالثلث .

                                                                      قلت : قال مالك في الموطأ : من اشترى مصحفا أو سيفا أو خاتما وفي شيء من ذلك ذهب أو فضة بدنانير أو دراهم فإن ما اشترى من ذلك وفيه الذهب بدنانير فإنه ينظر إلى قيمته فإن كان قيمة ذلك الثلثين وقيمة ما فيه من الذهب الثلث فذلك جائز لا بأس به إذا كان يدا بيد ولا يكون فيه تأخير ، وما اشترى من ذلك بالورق نظرا إلى قيمته فإن كان قيمة ذلك بالثلثين وقيمة ما فيه من الورق الثلث فذلك جائز لا بأس به إذا كان ذلك يدا بيد ، ولم يزل على ذلك أمر الناس عندنا بالمدينة انتهى .

                                                                      قال الخطابي : وما ذهب إليه أبو حنيفة فإنه يخرج على القياس ; لأنه يجعل الذهب بالذهب سواء ويجعل ما فضل عن الثمن بإزاء السلعة ، غير أن السنة قد منعت هذا القياس أن يجري ; ألا تراه يقول : إنما أردت الحجارة أو التجارة ، فقال : لا حتى تميز بينهما ، فنفى صحة هذا البيع مع قصده إلى أن يكون الذهب الذي هو الثمن بعضه بإزاء الذهب الذي هو الخرز مصارفة ، وبعضه بإزاء الحجارة التي هي الخرز بيعا وتجارة حتى يميز بينهما فيكون حصة المصارفة متميزة عن حصة المتاجرة ، فدل على أن هذا البيع على الوجهين فاسد . انتهى مختصرا .

                                                                      وذهب الشيخ ابن تيمية إلى جواز بيع ما يتخذ من الفضة للتحلي متفاضلا وجعل الزائد مقابلا للصنعة ، وقد أطال الكلام في أدلته شيخنا العلامة الفقيه خاتمة المحققين السيد نعمان خير الدين الشهير بابن الألوسي البغدادي في كتابه " جلاء العينين في محاكمة الأحمدين .

                                                                      والحديث سكت عنه المنذري .




                                                                      الخدمات العلمية