الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      3672 حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثنا علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى و يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس نسختهما التي في المائدة إنما الخمر والميسر والأنصاب الآية

                                                                      التالي السابق


                                                                      يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى جمع سكران وتمام الآية حتى تعلموا ما تقولون وهذه الآية في النساء .

                                                                      وأخرج ابن جرير الطبري عن ابن عباس أن رجالا كانوا يأتون الصلاة وهم سكارى قبل أن تحرم الخمر فقال الله - عز وجل - : يا أيها الذين آمنوا الآية يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما [ ص: 88 ] أي : في الخمر والميسر إثم كبير أي : وزر عظيم ، وقيل : إن الخمر عدو للعقل فإذا غلبت على عقل الإنسان ارتكب كل قبيح ففي ذلك آثام كبيرة ، منها إقدامه على شرب المحرم ، ومنها فعل ما لا يحل فعله .

                                                                      وأما الإثم الكبير في الميسر فهو أكل المال الحرام بالباطل ، وما يجري بينهما من الشتم والمخاصمة والمعاداة ، وكل ذلك فيه آثام كثيرة ومنافع للناس يعني أنهم كانوا يربحون في بيع الخمر قبل تحريمها .

                                                                      وهذه الآية في البقرة وتمامها مع تفسيرها هكذا وإثمهما أكبر من نفعهما يعني إثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما قبل التحريم ، وقيل : إنهما قوله تعالى : إنما يريد الشيطان أن يوقع الآية ، فهذه ذنوب يترتب عليها آثام كبيرة بسبب الخمر والميسر ( نسختهما ) أي : الآية الأولى وهي يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى والآية الثانية وهي يسألونك عن الخمر والميسر الآية ( التي في المائدة ) يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب الآية : الميسر القمار ، والأنصاب الأصنام وهي الحجارة التي كانوا ينصبونها للعبادة ويذبحون عندها .

                                                                      وتمام الآيتين مع تفسيرهما هكذا والأزلام هي القداح التي كانوا يستقسمون بها رجس نجس أو خبيث مستقذر من عمل الشيطان لأنه يحمل عليه فكأنه عمله فاجتنبوه أي : الرجس لأنه اسم جامع للكل كأنه قال إن هذه الأربعة الأشياء كلها رجس فاجتنبوه لعلكم تفلحون يعني لكي تدركوا الفلاح إذا اجتنبتم هذه المحرمات التي هي رجس إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر يعني إنما يزين لكم الشيطان شرب الخمر والقمار وهو الميسر ، ويحسن ذلك لكم إرادة أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء بسبب شرب الخمر ، لأنها تزيل عقل شاربها فيتكلم بالفحش ، وربما أفضى ذلك إلى المقاتلة وذلك سبب إيقاع العداوة والبغضاء بين شاربيها وقال قتادة : كان الرجل في الجاهلية يقامر على أهله وماله ، فيقمر فيقعد حزينا سليبا ينظر إلى ماله في يد غيره فيورثه ذلك العداوة والبغضاء ، فنهى الله عن ذلك ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة لأن شرب الخمر يشغل عن ذكر الله وعن [ ص: 89 ] فعل الصلاة ، وكذلك القمار يشغل صاحبه عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون لفظة استفهام ومعناه الأمر أي : انتهوا وهذا من أبلغ ما ينهى به ، لأنه تعالى ذم الخمر والميسر وأظهر قبحهما للمخاطب كأنه قيل قد تلي عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والموانع فهل أنتم منتهون مع هذه الأمور أم أنتم على ما كنتم عليه كأنكم لم توعظوا ولم تنزجروا .

                                                                      وفي هذه الآية دليل على تحريم شرب الخمر لأن الله تعالى قرن الخمر والميسر بعبادة الأصنام وعدد أنواع المفاسد الحاصلة بهما ، ووعد بالفلاح عند اجتنابهما وقال : فهل أنتم منتهون كذا في تفسير العلامة الخازن . ووجه النسخ أن الآية التي في المائدة فيها الأمر بمطلق الاجتناب وهو يستلزم أن لا ينتفع بشيء من الخمر في حال من حالاته في وقت الصلاة وغير وقت الصلاة وفي حال السكر وحال عدم السكر وجميع المنافع في العين والثمن .

                                                                      وأخرج أبو داود الطيالسي والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال : " نزل في الخمر ثلاث آيات : فأول شيء نزل يسألونك عن الخمر والميسر الآية فقيل حرمت الخمر ، فقالوا : يا رسول الله ، دعنا ننتفع بها كما قال الله فسكت عنهم ، ثم نزلت هذه الآية لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فقيل حرمت الخمر فقالوا : يا رسول الله لا نشربها قرب الصلاة فسكت عنهم ، ثم نزلت يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر الآية ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرمت الخمر . وأخرج أحمد في مسنده عن أبي هريرة قال : " حرمت الخمر ثلاث مرات " قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر ، فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهما ، فأنزل الله يسألونك عن الخمر والميسر الآية ، فقال الناس : ما حرم علينا؟ قال : إثم كبير . وكانوا يشربون الخمر حتى كان يوم من الأيام صلى رجل من المهاجرين أم أصحابه في المغرب خلط في قراءته فأنزل الله أغلظ منها يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى وكان الناس يشربون حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مغتبق ، ثم نزلت آية أغلظ من ذلك يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر إلى قوله فهل أنتم منتهون قالوا : انتهينا ربنا " الحديث .

                                                                      قال المنذري : والحديث في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال ، انتهى .




                                                                      الخدمات العلمية