الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      3931 حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني حدثني محمد يعني ابن سلمة عن ابن إسحق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت وقعت جويرية بنت الحارث بن المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شماس أو ابن عم له فكاتبت على نفسها وكانت امرأة ملاحة تأخذها العين قالت عائشة رضي الله عنها فجاءت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها فلما قامت على الباب فرأيتها كرهت مكانها وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرى منها مثل الذي رأيت فقالت يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث وإنما كان من أمري ما لا يخفى عليك وإني وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس وإني كاتبت على نفسي فجئتك أسألك في كتابتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل لك إلى ما هو خير منه قالت وما هو يا رسول الله قال أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك قالت قد فعلت قالت فتسامع تعني الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية فأرسلوا ما في أيديهم من السبي فأعتقوهم وقالوا أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها أعتق في سببها مائة أهل بيت من بني المصطلق قال أبو داود هذا حجة في أن الولي هو يزوج نفسه

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( عن ابن إسحاق ) هو محمد بن إسحاق بن يسار وروايته عند المؤلف بالعنعنة وروى يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن جعفر كذا في أسد الغابة وهكذا في الإصابة عن المغازي لابن إسحاق ( وقعت جويرية ) بضم الجيم مصغرا وكانت تحت مسافع بن صفوان ( بنت الحارث بن المصطلق ) بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء وكسر اللام وكان الحارث سيد قومه ( شماس ) بمعجمة مفتوحة وميم مشددة فألف فمهملة وكان ثابت خطيب الأنصار من كبار الصحابة بشره - صلى الله عليه وسلم - بالجنة . وعند ابن إسحاق في المغازي لما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبايا بني المصطلق وقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس ( أو ابن عم له ) أي : لثابت هكذا بأو التي للشك عند المؤلف وكذا في المغازي وذكره الواقدي بالواو للشركة وأنه خلصها من ابن عمه بنخلات له بالمدينة وسيجيء لفظه ( على نفسها ) بتسع أواق من ذهب كما ذكره الواقدي ( وكانت امرأة ملاحة ) أي : مليحة . قال الخطابي : فعال يجيء في النعوت بمعنى التوكيد فإذا شدد كان أبلغ في التوكيد انتهى .

                                                                      وفي شرح المواهب : ملاحة بفتح الميم مصدر ملح بضم اللام أي : ذات بهجة وحسن منظر انتهى .

                                                                      وقال الإمام ابن الأثير في النهاية : امرأة ملاحة أي : شديدة الملاحة وهو من أبنية المبالغة . وفي كتاب الزمخشري : وكانت امرأة ملاحة أي : ذات ملاحة وفعال مبالغة في فعيل نحو كريم وكرام وكبير وكبار وفعال مشدد أبلغ منه ، انتهى ( تأخذها العين ) وعند ابن إسحاق : [ ص: 352 ] وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه ( في كتابتها ) أي : تستعينه في كتابتها ( كرهت مكانها ) خوفا أن يرغب فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينكحها لحسنها وجمالها وكانت ابنة عشرين سنة ( الذي رأيت ) من حسنها وملاحتها ( يا رسول الله ) زاد الواقدي : إني امرأة مسلمة أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ( بنت الحارث ) سيد قومه ( ما لا يخفى عليك ) وعند ابن إسحاق وقد أصابني من البلايا ما لم يخف عليك ( وإني كاتبت على نفسي ) وللواقدي : ووقعت في سهم ثابت وابن عم له فخلصني منه بنخلات له بالمدينة فكاتبني على ما لا طاقة لي به ولا يدان لي ولا قدرة عليه وهو تسع أواق من الذهب وما أكرهني على ذلك إلا أني رجوتك ( فهل لك ) ميل ( خير منه ) أي : مما تسألين ( وأتزوجك ) قال الشامي نظرها - صلى الله عليه وسلم - حتى عرف حسنها لأنها كانت أمة ولو كانت حرة ما ملأ عينه منها ؛ لأنه لا يكره النظر إلى الإماء أو لأن مراده نكاحها ( قالت ) نعم يا رسول الله ( قد فعلت ) زاد الواقدي : فأرسل إلى ثابت بن قيس فطلبها منه فقال ثابت : هي لك يا رسول الله بأبي وأمي . فأدى - صلى الله عليه وسلم - ما كان من كتابتها وأعتقها وتزوجها ( فتسامع تعني الناس ) هذا تفسير من بعض الرواة .

                                                                      قال في تاج العروس : تسامع به الناس أي : عندهم ( ما في أيديهم من السبي ) الباقي بأيديهم بلا فداء على ما ذكره الواقدي أنهم ورجعوا بهم إلى بلادهم فيكون معناه فدوا جملة منهم وأعتق المسلمون الباقي لما تزوج جويرية كذا في شرح المواهب ( وقالوا ) هم ( أصهار ) أو بالنصب بتقدير أرسلوا أو أعتقوا أصهار ( في سبيها ) وفي بعض النسخ بسبيها [ ص: 353 ] ( مائة أهل بيت ) بالإضافة أي : مائة طائفة كل واحدة منهن أهل بيت ولم تقل مائة هم أهل بيت لإيهام أنهم مائة نفس كلهم أهل بيت وليس مرادا وقد روي أنهم كانوا أكثر من سبعمائة قاله الزرقاني .

                                                                      وفي أسد الغابة : ولما تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجبها وقسم لها وكان اسمها برة فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جويرية . رواه شعبة ومسعر وابن عيينة عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس انتهى . قال المنذري : وفيه محمد بن إسحاق بن يسار ، انتهى .

                                                                      قلت : وقد صرح بالتحديث في رواية يونس بن بكير عنه وأخرجه أيضا أحمد في مسنده ( قال أبو داود هذا ) الحديث ( حجة في أن الولي هو يزوج ) ولو ( نفسه ) المرأة التي هو وليها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان سلطانا ولا ولي لها والسلطان ولي من لا ولي له أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه أبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم .

                                                                      وأيضا كان - صلى الله عليه وسلم - مولى العتاقة لها ومولى العتاقة ولي لمعتقه لكونه عصبة له فلما ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان وليا لها وقد زوجها نفسه الكريمة فقد ثبت أن الولي يزوج نفسه .

                                                                      وموضع الاستدلال هو قوله - صلى الله عليه وسلم - : " وأتزوجك " .

                                                                      فإن قلت : قد روى ابن سعد في مرسل أبى قلابة قال : " سبى - صلى الله عليه وسلم - جويرية يعني : وتزوجها فجاء أبوها فقال : إن ابنتي لا يسبى مثلها فخل سبيلها فقال : أرأيت إن خيرتها أليس قد أحسنت؟ قال : بلى فأتاها أبوها فقال : إن هذا الرجل قد خيرك فلا تفضحينا قالت : فإني أختار الله ورسوله . وسنده صحيح كذا في الإصابة وشرح المواهب ففيه أن أباها كان حاضرا وقت التزويج .

                                                                      قلت : أبوها وإن أسلم لكن لم يثبت إسلامه قبل هذا التزويج فكانت كمن لا ولي لها بل يعلم مما ذكره الحافظ في الإصابة في ترجمة الحارث بن أبي ضرار أبي جويرية - رضي الله عنه - إن إسلامه بعد هذا التزويج والله أعلم .

                                                                      [ ص: 354 ] وقال ابن هشام : ويقال اشتراها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثابت بن قيس وأعتقها وأصدقها أربعمائة درهم ، انتهى .

                                                                      3 - باب في العتق على الشرط




                                                                      الخدمات العلمية