الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4089 حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا أبو عامر يعني عبد الملك بن عمرو حدثنا هشام بن سعد عن قيس بن بشر التغلبي قال أخبرني أبي وكان جليسا لأبي الدرداء قال كان بدمشق رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له ابن الحنظلية وكان رجلا متوحدا قلما يجالس الناس إنما هو صلاة فإذا فرغ فإنما هو تسبيح وتكبير حتى يأتي أهله فمر بنا ونحن عند أبي الدرداء فقال له أبو الدرداء كلمة تنفعنا ولا تضرك قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فقدمت فجاء رجل منهم فجلس في المجلس الذي يجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل إلى جنبه لو رأيتنا حين التقينا نحن والعدو فحمل فلان فطعن فقال خذها مني وأنا الغلام الغفاري كيف ترى في قوله قال ما أراه إلا قد بطل أجره فسمع بذلك آخر فقال ما أرى بذلك بأسا فتنازعا حتى سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سبحان الله لا بأس أن يؤجر ويحمد فرأيت أبا الدرداء سر بذلك وجعل يرفع رأسه إليه ويقول أنت سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول نعم فما زال يعيد عليه حتى إني لأقول ليبركن على ركبتيه قال فمر بنا يوما آخر فقال له أبو الدرداء كلمة تنفعنا ولا تضرك قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المنفق على الخيل كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها ثم مر بنا يوما آخر فقال له أبو الدرداء كلمة تنفعنا ولا تضرك قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم الرجل خريم الأسدي لولا طول جمته وإسبال إزاره فبلغ ذلك خريما فعجل فأخذ شفرة فقطع بها جمته إلى أذنيه ورفع إزاره إلى أنصاف ساقيه ثم مر بنا يوما آخر فقال له أبو الدرداء كلمة تنفعنا ولا تضرك فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش قال أبو داود وكذلك قال أبو نعيم عن هشام قال حتى تكونوا كالشامة في الناس

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( وكان رجلا متوحدا ) : أي منفردا عن الناس معتزلا منهم ( إنما هو ) : أي شغله ( صلاة فإذا فرغ فإنما هو تسبيح وتكبير ) : المعنى إنما شغله عن مجالسة الناس الصلاة ، فإذا فرغ عن الصلاة شغله التسبيح والتكبير .

                                                                      وعند أحمد في مسنده قال كان بدمشق رجل يقال له ابن الحنظلية متوحدا لا يكاد يكلم أحدا إنما هو في صلاة فإذا فرغ يسبح ويكبر ويهلل حتى يرجع إلى أهله انتهى

                                                                      ( قال [ ص: 115 ] فمر بنا ) : أي قال أبي فمر ابن الحنظلية بنا ( ونحن عند أبي الدرداء ) : جملة حالية ( فقال له ) : أي لابن الحنظلية ( كلمة ) : بالنصب أي قل لنا كلمة ( سرية ) : هي طائفة من جيش أقصاها أربع مائة تبعث إلى العدو ، وجمعها السرايا سموا به لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري أي النفيس ( فحمل فلان ) : أي على العدو ( فطعن ) : أي بالرمح ( فقال ) : ذلك فلان وكان من بني الغفار للعدو ( خذها ) : أي الطعنة بالرمح ( منى وأنا الغلام الغفاري ) : قال ذلك ليحمده الناس على ذلك الفعل ( كيف ترى ) : الخطاب للرجل الذي كان إلى جنب الرجل القائل ( في قوله ) : المذكور وهو خذها مني وأنا الغلام الغفاري ( قال ما أراه ) : بضم الهمزة أي ما أظنه ( لا بأس أن يؤجر ) : أي من الله تعالى على نيته ( ويحمد ) أي من الناس ( سر ) على البناء للمجهول من السرور ( فما زال يعيد ) : أبو الدرداء ( عليه ) : أي على ابن الحنظلية تلك المقالة أي أنت سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ليبركن ) : بلام التأكد والنون الثقيلة أي أبو الدرداء ( على ركبتيه ) : أي ابن الحنظلية .

                                                                      والمعنى أن أبا الدرداء قد بالغ في السؤال عن ابن الحنظلية وقرب منه قربة شديدة حتى إني لأقول : ليبركن أبو الدرداء على ركبتي ابن الحنظلية من شدة المقاربة .

                                                                      وفي رواية لأحمد : فسر بذلك أبو الدرداء حتى هم أن يجثو على ركبتيه ، فقال أنت سمعته مرارا . انتهى والله أعلم [ ص: 116 ]

                                                                      ( المنفق على الخيل ) : أي إذا كان ربطه بقصد الجهاد في سبيل الله ( نعم الرجل خريم ) : بضم الخاء المعجمة وفتح الراء مصغرا ( لولا طول جمته ) : بضم الجيم وتشديد الميم هو من شعر الرأس ما سقط على المنكبين ( وإسبال إزاره ) : أي عن الكعبين .

                                                                      وفيه جواز ذكر المسلم أخاه الغائب بما فيه من مكروه شرعا إذا علم أنه يرتدع عنه ويتركه عند سماعه ( فأخذ شفرة ) : بفتح فسكون أي سكينا ( إنكم قادمون على إخوانكم ) أي داخلون عليهم ، الظاهر أنه قال حين دخولهم بلادهم من السفر ( كأنكم شامة ) : بتخفيف الميم وهي الخال أي كالأمر المتبين الذي يعرفه كل من يقصده إذ العادة دخول الإخوان على القادم قصدا لزيارته ( فإن الله تعالى لا يحب الفحش ) : قال في النهاية هو كل ما يشتد قبحه من ذنوب ومعاص ويكثر وروده في الزنا وكل خصلة قبيحة فاحشة من الأقوال والأفعال ( ولا التفحش ) : هو تكلف الفحش وتعمده . فالهيئة الردية والحالة الكثيفة داخلة أيضا تحت الفحش والتفحش وإن الله جميل يحب الجمال .

                                                                      قال المنذري : وابن الحنظلية هو سهل بن الربيع بن عمرو ويقال سهل بن عمرو أنصاري حارثي سكن الشام والحنظلية أمه وقيل هي أم جده وهي من بني حنظلة بن تميم انتهى .

                                                                      قال النووي في رياض الصالحين : رواه أبو داود بإسناد حسن إلا قيس بن بشر فاختلفوا في توثيقه وتضعيفه وقد روى له مسلم ( وكذلك ) : أي كما روى عبد الملك بن [ ص: 117 ] عمرو عن هشام ( قال أبو نعيم ) : الفضل بن دكين ( عن هشام ) : بن سعد القرشي بإسناده ( قال حتى تكونوا كالشامة في الناس ) : واعلم أن هذا الحديث رواه عن هشام بن سعد أبو عامر عبد الملك بن عمرو .

                                                                      وأبو نعيم كما عند المؤلف . ووكيع كما عند أحمد في رواية له وكلهم أي عبد الملك وأبو نعيم ووكيع روى عن هشام هذه الجملة أي حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس ، لكن عبد الملك اختلف عليه ، فروى عنه هارون بن عبد الله هذه الجملة كما عند المؤلف ، ولم يذكر أحمد بن حنبل عن عبد الملك هذه الجملة فأراد المؤلف تقوية رواية من رواه بإثباتها وأن أبا نعيم قد تابع عبد الملك وكذلك تابعه وكيع ثم إن عبد الملك قد رواها عنه هارون بن عبد الله وإن لم يروها أحمد بن حنبل عن عبد الملك فالاعتبار لمن حفظها لا لمن لم يحفظها وأما أحمد بن حنبل عن وكيع فرواه بإثبات هذه الجملة والله أعلم .




                                                                      الخدمات العلمية