الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4252 حدثنا سليمان بن حرب ومحمد بن عيسى قالا حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله زوى لي الأرض أو قال إن ربي زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال لي يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ولا أهلكهم بسنة بعامة ولا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها أو قال بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا وحتى يكون بعضهم يسبي بعضا وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ولا تزال طائفة من أمتي على الحق قال ابن عيسى ظاهرين ثم اتفقا لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( زوى لي الأرض ) : قال الخطابي : معناه قبضها وجمعها ، يقال : انزوى الشيء إذا انقبض وتجمع ( مشارقها ) : أي الأرض ( ما زوي لي منها ) : أي من الأرض .

                                                                      قال الخطابي : يتوهم بعض الناس أن من هاهنا معناها التبعيض فيقول كيف شرط هاهنا في أول الكلام الاستيعاب ورد آخره إلى التبعيض وليس ذلك على ما يقدرونه وإنما معناه التفصيل للجملة المتقدمة والتفصيل لا يناقض الجملة ولا يبطل شيئا منها ، لكنه يأتي عليها شيئا فشيئا ويستوفيها جزءا جزءا .

                                                                      والمعنى أن الأرض زويت جملتها مرة واحدة فرآها [ ص: 252 ] ثم يفتح له جزء جزء منها حتى يأتي عليها كلها فيكون هذا معنى التبعيض فيها .

                                                                      قال النووي : فيه إشارة إلى أن ملك هذه الأمة يكون معظم امتداده في جهتي المشرق والمغرب وهكذا وقع وأما في جهتي الجنوب والشمال فقليل بالنسبة إلى المشرق والمغرب انتهى .

                                                                      ( الأحمر والأبيض ) : أي الذهب والفضة .

                                                                      وفي النهاية فالأحمر ملك الشام والأبيض ملك فارس ، وإنما قال لفارس الأبيض لبياض ألوانهم ولأن الغالب على أموالهم الفضة ، كما أن الغالب على ألوان أهل الشام الحمرة وعلى أموالهم الذهب انتهى .

                                                                      قال النووي : المراد بالكنزين الذهب والفضة ، والمراد كنز كسرى وقيصر ملكي العراق والشام ( أن لا يهلكها ) : أي أن لا يهلك الله الأمة ( بسنة ) : قحط ( بعامة ) : يعم الكل ، وفي رواية مسلم بسنة عامة ( فيستبيح بيضتهم ) أي مجتمعهم وموضع سلطانهم ومستقر دعوتهم أي يجعلهم له مباحا لا تبعة عليه فيهم ويسبيهم وينهبهم ، يقال أباحه يبيحه واستباحه يستبيحه ، والمباح خلاف المحذور ، وبيضة الدار وسطها ومعظمها أراد عدوا يستأصلهم ويهلكهم جميعهم كذا في النهاية ( فإنه ) : أي القضاء ( ولا أهلكهم بسنة بعامة ) : أي لا أهلكهم بقحط يعمهم بل إن وقع قحط وقع في ناحية يسيرة بالنسبة إلى باقي بلاد الإسلام قاله النووي .

                                                                      ( ولو اجتمع ) : أي العدو ( أقطارها ) : أي نواحي الأرض ( الأئمة المضلين ) أي الداعين إلى البدع والفسق والفجور ( في أمتي ) : أي من بعضهم لبعض ( لم يرفع ) : السيف ( عنها ) : أي عن الأمة ( إلى يوم القيامة ) : فإن لم يكن في بلد يكون في بلد آخر وقد ابتدئ في زمن معاوية وهلم جرا لا يخلو عنه طائفة من الأمة . والحديث مقتبس من قوله تعالى : [ ص: 253 ] 6 65 65 أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ( بالمشركين ) : منها ما وقع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في خلافة الصديق رضي الله عنه ( الأوثان ) : أي الأصنام حقيقة ، ولعله يكون فيما سيأتي أو معنى ومنه تعس عبد الدينار وعبد الدرهم ( وإنه ) : أي الشأن ( كذابون ) : أي في دعوتهم النبوة ( ثلاثون ) : أي هم أو عددهم ثلاثون ( وأنا خاتم النبيين ) : بكسر التاء وفتحها والجملة حالية ( لا نبي بعدي ) : تفسير لما قبله ( على الحق ) : خبر لقوله لا تزال أي ثابتين على الحق علما وعملا ( ظاهرين ) : أي غالبين على أهل الباطل ولو حجة . قال الطيبي : يجوز أن يكون خبرا بعد خبر وأن يكون حالا من ضمير الفاعل في ثابتين أي ثابتين على الحق في حالة كونهم غالبين على العدو ( ثم اتفقا ) : أي سليمان بن حرب ومحمد بن عيسى ( من خالفهم ) : أي لثباتهم على دينهم ( حتى يأتي أمر الله تعالى ) : متعلق بقوله لا تزال . قال في فتح الودود : أي الريح الذي يقبض عندها روح كل مؤمن ومؤمنة .

                                                                      وفي رواية الشيخين من حديث المغيرة بن شعبة لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وأخرج الحاكم في المستدرك عن عمر لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة قال المناوي : أي إلى قرب قيامها لأن الساعة لا تقوم حتى لا يقال في الأرض الله الله انتهى .

                                                                      قلت : حديث ثوبان مطولا هو عند المؤلف ، وأما غير المؤلف فأخرجه مفرقا في المواضع ، فحديث إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها إلى قوله يكون بعضهم يسبي بعضا أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه والترمذي كلهم في الفتن وقال الترمذي حسن صحيح ، وحديث لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله على ذلك أخرجه مسلم في الجهاد وابن ماجه في السنة والترمذي في الفتن وزاد في أوله إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين وقال صحيح وأخرجه أبو داود في الفتن ذكره المزي في الأطراف ، وحديث إذا وضع السيف أخرجه أبو داود والترمذي . [ ص: 254 ]




                                                                      الخدمات العلمية