الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      453 حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل في علو المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى بني النجار فجاءوا متقلدين سيوفهم فقال أنس فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حيث أدركته الصلاة ويصلي في مرابض الغنم وإنه أمر ببناء المسجد فأرسل إلى بني النجار فقال يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا فقالوا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله عز وجل قال أنس وكان فيه ما أقول لكم كانت فيه قبور المشركين وكانت فيه خرب وكان فيه نخل فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت وبالخرب فسويت وبالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه حجارة وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول

                                                                      اللهم لا خير إلا خير الآخره فانصر الأنصار والمهاجره

                                                                      حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا حماد بن سلمة عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال كان موضع المسجد حائطا لبني النجار فيه حرث ونخل وقبور المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثامنوني به فقالوا لا نبغي به ثمنا فقطع النخل وسوي الحرث ونبش قبور المشركين وساق الحديث وقال فاغفر مكان فانصر قال موسى وحدثنا عبد الوارث بنحوه وكان عبد الوارث يقول خرب وزعم عبد الوارث أنه أفاد حمادا هذا الحديث

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( عن أبي التياح ) بفتح التاء المثناة من فوق وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة ، واسمه يزيد بن حميد الضبعي . قاله العيني ( في علو المدينة ) بالضم وهي العالية ( في حي ) بتشديد الياء وهي القبيلة وجمعها أحياء ( بنو عمرو بن عوف ) بفتح العين فيهما ( فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ) ثم خرج قال الحافظ : وهو الصواب من هذا الوجه انتهى ، وهذه رواية الأكثرين ( ثم أرسل إلى بني النجار ) قال العيني : وبنو النجار هم بنو تيم اللات بن ثعلبة بن عمرو بن الجموح ، والنجار قبيل كبير من الأنصار ، وتيم اللات هو النجار سمي بذلك لأنه اختتن بقدوم ، وقيل بل ضرب رجلا بقدوم فجرحه انتهى . وقال الحافظ إنما طلب بني النجار لأنهم كانوا أخوال عبد المطلب لأن أمه سلمى منهم ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم النزول عندهم لما تحول من قباء ، والنجار بطن من الخزرج واسمه تيم اللات بن ثعلبة ( فجاءوا متقلدين سيوفهم ) قال العيني كذا في رواية الأكثرين بنصب السيوف وثبوت النون لعدم الإضافة ، وفي رواية بإضافة متقلدين إلى السيوف وسقوط النون للإضافة ، وعلى كل حال هو منصوب على الحال من الضمير الذي في جاءوا ، والتقلد جعل نجاد السيف على المنكب ( على راحلته ) الراحلة المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى ، وكانت راحلته ناقة تسمى القصواء ، قاله العيني ( وأبو بكر ردفه ) قال [ ص: 94 ] الحافظ : كان النبي صلى الله عليه وسلم أردفه تشريفا له وتنويها بقدره وإلا كان لأبي بكر ناقة هاجر عليها انتهى . وقال العيني : هو جملة اسمية في موضع النصب على الحال . والردف بكسر الراء وسكون الدال المرتدف وهو الذي يركب خلف الراكب ، وكان لأبي بكر ناقة فلعله تركها في بني عمرو بن عوف لمرض أو غيره ويجوز أن يكون ردها إلى مكة ليحمل عليها أهله ، وثم وجه آخر حسن وهو أن ناقته كانت معه ولكنه ما ركبها لشرف الارتداف خلفه لأنه تابعه والخليفة بعده ( وملأ بني النجار حوله ) جملة اسمية حالية ، والملأ أشراف القوم ورؤساؤهما سموا بذلك لأنهم مليء بالرأي والغناء والملأ الجماعة والجمع أملاء ( حتى ألقى ) أي حتى ألقى رحله والمفعول محذوف ، يقال ألقيت الشيء إذا طرحته ( بفناء أبي أيوب ) أي بفناء دار أبي أيوب . الفناء بكسر الفاء سعة أمام الدار والجمع أفنية . واسم أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري . قال الحافظ : والفناء الناحية المتسعة أمام الدار ( في مرابض الغنم ) أي أماكنها وهو بالموحدة والضاد المعجمة جمع مربض بكسر الميم ( وإنه أمر ) . بكسر الهمزة في إن لأنه كلام مستقل بذاته أي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المسجد ، ويروى أمر على بناء المفعول فعلى هذا يكون الضمير في إنه للشأن ( ثامنوني ) أي بيعونيه بالثمن . قال الحافظ : هو بالمثلثة ، أي اذكروا لي ثمنه لأذكر لكم الثمن الذي أختاره . قال ذلك على سبيل المساومة : فكأنه قال : ساوموني في الثمن ( بحائطكم هذا ) الحائط هاهنا البستان يدل عليه قوله وفيه نخل وبالنخل فقطع ( لا نطلب ثمنه إلا إلى الله ) قال الحافظ : تقديره لا نطلب الثمن لكن الأمر فيه إلى الله أو إلى بمعنى من ، وكذا عند الإسماعيلي لا نطلب ثمنه إلا من الله . وزاد ابن ماجه أبدا ، وظاهر الحديث أنهم لم يأخذوا منه ثمنا ، وخالف في ذلك أهل السير . انتهى . والمعنى لا نطلب منك الثمن بل نتبرع به ونطلب الثمن أي الأجر من الله تعالى ( وكان فيه ) أي في الحائط الذي بني في مكانه المسجد ( فيه خرب ) قال الحافظ : قال ابن الجوزي : المعروف فيه فتح الخاء المعجمة وكسر الراء بعدها موحدة جمع خربة ككلم وكلمة . قلت : وحكى الخطابي [ ص: 95 ] أيضا : كسر أوله وفتح ثانيه جمع خربة كعنب وعنبة ( وبالنخل ) أي أمر بالنخل فقطع ( فصفف النخل قبلة المسجد ) من صففت الشيء صفا أي جعلت قبلة المسجد من النخل . قال العيني : ولعل المراد بالقبلة جهتها لا القبلة المعهودة اليوم فإن ذلك لم يكن ذلك الوقت ( عضادتيه ) تثنية عضادة بكسر العين عن صاحب العين أعضاد كل شيء ما يشده من حواليه من البناء وغيره مثال عضاد الحوض وهي صفائح من حجارة ينصبن على شفيره . وفي التهذيب للأزهري : عضادتا الباب الخشبتان المنصوبتان عن يمين الداخل منه وشماله قاله العيني ( ينقلون الصخر ) أي الحجارة ( وهم يرتجزون ) أي يتعاطون الرجز من الرجز وهو ضرب من الشعر ( معهم ) جملة حالية ، أي والنبي صلى الله عليه وسلم يرتجز معهم ( اللهم ) معناه يا الله . قال الحافظ : في الحديث جواز التصرف في المقبرة المملوكة بالهبة والبيع ; وجواز نبش القبور الدارسة إذا لم تكن محترمة ، وجواز الصلاة في مقابر المشركين بعد نبشها وإخراج ما فيها ، وجواز بناء المساجد في أماكنها . انتهى . قلت : فيه جواز الإرداف ، وفيه جواز الصلاة في مرابض الغنم . قال المنذري : والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه . ( حائطا ) أي بستانا ( لبني النجار ) هم قبيلة ( فيه حرث ) بالحاء المهملة والثاء المثلثة هكذا في رواية حماد بن سلمة عن أبي التياح . في المصباح المنير : حرث الرجل الأرض حرثا أثارها للزراعة ، فهو حراث ، انتهى . وأما رواية عبد الوارث عن أبي التياح التي مضت ففيها خرب بالخاء المعجمة والباء الموحدة ( فقالوا لا نبغي ) أي لا [ ص: 96 ] نطلب ( أفاد حمادا ) من الإفادة أي حدث عبد الوارث حمادا هذا الحديث وفيه لفظ خرب بالخاء المعجمة والباء الموحدة .




                                                                      الخدمات العلمية