الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4442 حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى بن يونس عن بشير بن المهاجر حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه أن امرأة يعني من غامد أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني قد فجرت فقال ارجعي فرجعت فلما أن كان الغد أتته فقالت لعلك أن تردني كما رددت ماعز بن مالك فوالله إني لحبلى فقال لها ارجعي فرجعت فلما كان الغد أتته فقال لها ارجعي حتى تلدي فرجعت فلما ولدت أتته بالصبي فقالت هذا قد ولدته فقال لها ارجعي فأرضعيه حتى تفطميه فجاءت به وقد فطمته وفي يده شيء يأكله فأمر بالصبي فدفع إلى رجل من المسلمين وأمر بها فحفر لها وأمر بها فرجمت وكان خالد فيمن يرجمها فرجمها بحجر فوقعت قطرة من دمها على وجنته فسبها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مهلا يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له وأمر بها فصلي عليها ودفنت

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( أن امرأة يعني من غامد ) : بغين معجمة ودال مهملة هي بطن من جهينة قاله النووي : وفي الرواية المتقدمة امرأة من جهينة وهي هذه ( إني قد فجرت ) : أي زنيت ( فوالله إني لحبلى ) : أي حالي ليس كحال ماعز إني غير متمكنة من الإنكار بعد الإقرار لظهور الحبل بخلافه ( ارجعي حتى تلدي ) : قال النووي : فيه أنه لا ترجم الحبلى حتى تضع سواء كان حملها من زنا أو غيره ، وهذا مجمع عليه لئلا يقتل جنينها ، وكذا لو كان حدها الجلد وهي حامل لم تجلد بالإجماع حتى تضع ، وفيه أن المرأة ترجم إذا زنت وهي محصنة كما يرجم الرجل ، وهذا الحديث محمول على أنها كانت محصنة لأن الأحاديث الصحيحة والإجماع متطابقان على أنه لا يرجم غير المحصن ( حتى تفطميه ) بفتح التاء وكسر الطاء وسكون الياء أي تفصلينه من الرضاع كذا ضبطه القاري وفي القاموس فطمه يفطمه قطعه ، والصبي فصله عن الرضاع فهو مفطوم وفطيم انتهى . وضبط في بعض النسخ بضم التاء والظاهر أنه غلط ( وقد فطمته ) : جملة حالية ( وفي يده ) : أي في يد الصبي ( شيء يأكله ) : أي [ ص: 97 ] يأكل الصبي ذلك الشيء ، وفي رواية مسلم وفي يده كسرة خبز ( فأمر ) : أي النبي صلى الله عليه وسلم ( فدفع ) : بصيغة المجهول ( فأمر بها ) : أي برجمها ( فحفر لها ) : بصيغة المجهول ، وفي رواية مسلم فحفر لها إلى صدرها .

                                                                      واعلم أن هذه الرواية تخالف الرواية السابقة فإن هذه صريحة في أن رجمها كان بعد فطامه وأكله الخبز والرواية السابقة ظاهرها أن رجمها كان عقيب الولادة فالواجب تأويل السابقة وحملها على هذه الرواية لأنها قضية واحدة والروايتان صحيحتان ، وهذه الرواية صريحة لا يمكن تأويلها والسابقة ليست بصريحة فيتعين تأويل السابقة . هذا خلاصة ما قاله النووي . وقيل يحتمل أن يكونا مرأتين ووقع في الرواية السابقة امرأة من جهينة وفي هذه الرواية امرأة من غامد قلت هذا الاحتمال ضعيف ( على وجنته ) : الوجنة أعلى الخد ، وفي رواية مسلم فتنضح الدم على وجه خالد ( فسبها ) : أي فشتمها ( مهلا ) : أي أمهل مهلا وارفق رفقا فإنها مغفورة فلا تسبها ( لو تابها صاحب مكس ) : قال في النيل : بفتح الميم وسكون الكاف بعدها مهملة هو من يتولى الضرائب التي تؤخذ من الناس بغير حق انتهى .

                                                                      وقال النووي : فيه أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده ، وتكرر ذلك منه وانتهاكه للناس وأخذ أموالهم بغير حقها وصرفها في غير وجهها ( فصلي عليها ) : ضبط بصيغة المجهول .

                                                                      قال النووي : قال القاضي عياض رحمه الله هي بفتح الصاد واللام عند جماهير رواة صحيح مسلم ، قال وعند الطبري بضم الصاد وقال وكذا هو في رواية ابن أبي شيبة وأبي داود ، قال وفي رواية لأبي داود ثم أمرهم أن يصلوا عليها انتهى .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه مسلم والنسائي وحديث مسلم أتم من هذا ، وحديث النسائي مختصر كالذي هاهنا وفي إسناده بشير بن المهاجر الغنوي الكوفي وليس له في صحيح [ ص: 98 ] مسلم سوى هذا الحديث وقد وثقه يحيى بن معين . وقال الإمام أحمد : منكر الحديث يجيء بالعجائب مرجئ متهم .

                                                                      وقال في أحاديث ماعز كلها إن ترديده إنما كان في مجلس واحد إلا ذاك الشيخ بشير بن المهاجر وقال أبو حاتم الرازي يكتب حديث ماعز وأتى به آخرا ليبين اطلاعه على طرق الحديث والله عز وجل أعلم . وذكر بعضهم أن حديث عمران بن الحصين فيه أنه أمر برجمها حين وضعت ولم يستأن بها ، وكذا روي عن علي عليه السلام أنه فعل بشراحة رجمها لما وضعت . وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأصحاب الرأي ، وقال أحمد وإسحاق تترك حتى تضع ما في بطنها ثم تترك حولين حتى تطعمه ، ويشبه أن يكونا ذهبا إلى هذا الحديث وحديث عمران أجود وهذا الحديث رواية بشير بن المهاجر وقد تقدم الكلام عليه . وقال بعضهم : يحتمل أن تكونا امرأتين وجد لولد إحداهما كفيل وقبلها والأخرى لم يوجد لولدها كفيل ولم يقبل فوجب إمهالها حتى يستغني عنها لئلا يهلك بهلاكها ، ويكون الحديث محمولا على حالتين ويرتفع الخلاف . انتهى كلام المنذري .




                                                                      الخدمات العلمية