الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4479 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام ح و حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن هشام المعنى عن قتادة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر رضي الله عنه أربعين فلما ولي عمر دعا الناس فقال لهم إن الناس قد دنوا من الريف وقال مسدد من القرى والريف فما ترون في حد الخمر فقال له عبد الرحمن بن عوف نرى أن تجعله كأخف الحدود فجلد فيه ثمانين قال أبو داود رواه ابن أبي عروبة عن قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جلد بالجريد والنعال أربعين ورواه شعبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ضرب بجريدتين نحو الأربعين [ ص: 138 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 138 ] ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد ) : لعل فيه تجريدا أي أمر بالضرب ( في الخمر ) : أي في شاربها أو التقدير جلد شارب الخمر لأجل شربها ( بالجريد ) : وهو جمع جريدة وهي السعفة سميت بها لكونها مجردة عن الخوص وهو ورق النخل ( والنعال ) : بكسر أوله جمع النعل وهو ما يلبس في الرجل ، والمعنى أنه ضربه ضربا من غير تعيين عدد وهذا مجمل بينته الرواية الآتية التي رواها ابن أبي عروبة عن قتادة ( وجلد ) : أي ضرب ( أبو بكر أربعين ) : أي جلدة أو ضربة . قال السندي : أي كانوا يكتفون على أربعين أيضا في زمانهما إلا أنهم ما كانوا يزيدون عليه قط انتهى .

                                                                      قال العيني : احتج به الشافعي وأحمد وإسحاق وأهل الظاهر على أن حد السكران أربعون سوطا . وقال ابن حزم وهو قول أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن بن علي وعبد الله بن جعفر رضي الله عنه وبه يقول الشافعي وأبو سليمان وأصحابنا . وقال الحسن البصري والشعبي وأبو حنيفة ومالك وأبو يوسف ومحمد وأحمد في رواية ثمانون سوطا . وروي ذلك عن علي وخالد بن الوليد ومعاوية بن أبي سفيان انتهى .

                                                                      قال في الفتح : وقد استقر الإجماع على ثبوت حد الخمر وأن لا قتل فيه ، واستمر الاختلاف في الأربعين والثمانين وذلك خاص بالحر المسلم وأما الذمي فلا يحد فيه .

                                                                      ( فلما ولي عمر ) : بتشديد اللام على صيغة المجهول وبتخفيف اللام المكسورة على صيغة المعروف من الولاية أي ملك أمر الناس وقام به ( دعا الناس ) : أي الصحابة ( قد دنوا من الريف ) : في النهاية : الريف كل أرض فيها زرع ونخل ، وقيل هو ما قارب الماء من أرض العرب ومن غيرها انتهى . وقال النووي : الريف المواضع التي فيها المياه أو هي قرية منها ، ومعناه لما كان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفتحت الشام والعراق وسكن الناس في الريف ومواضع الخصب وسعة العيش وكثرة الأعناب والثمار أكثروا من شرب الخمر فزاد عمر في حد الخمر تغليظا عليهم وزجرا لهم عنها ( فقال له ) : أي لعمر ( نرى أن تجعله ) أي حد الخمر : ( كأخف الحدود ) يعني المنصوص عليها في القرآن وهي حد السرقة [ ص: 139 ] بقطع اليد ، وحد الزنا جلد مائة ، وحد القذف ثمانون وهو أخف الحدود .

                                                                      قال النووي : هكذا هو في مسلم وغيره أن عبد الرحمن بن عوف هو الذي أشار بهذا . وفي الموطأ وغيره أنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكلاهما صحيح وأشارا جميعا ، ولعل عبد الرحمن بدأ بهذا القول فوافقه علي وغيره فنسب ذلك في رواية إلى عبد الرحمن رضي الله عنه لسبقه به ، ونسب في رواية إلى علي رضي الله عنه لفضيلته وكثرة علمه ورجحانه على عبد الرحمن رضي الله عنه ، وفي هذا جواز القياس واستحباب مشاورة القاضي والمفتي أصحابه وحاضري مجلسه في الأحكام ( فجلد ) : عمر ( فيه ) : أي في حد الخمر .

                                                                      قال المنذري : والحديث أخرجه مسلم بتمامه . وأخرج البخاري المسند وفعل الصديق فقط وأخرج ابن ماجه المسند منه فقط ( أنه ) : أي النبي صلى الله عليه وسلم ( جلد بالجريد ) : معناه بالفارسية شاخ خرما ( ضرب بجريدتين نحو أربعين ) : قال النووي : اختلفوا في معناه ، فأصحابنا يقولون معناه أن الجريدتين كانتا مفردتين جلد بكل واحدة منهما عددا حتى كمل من الجميع أربعون وقال آخرون ممن يقول جلد الخمر ثمانون معناه أنه جمعهما فجلده بهما أربعين جلدة فيكون المبلغ ثمانين انتهى .

                                                                      قال المنذري : وحديث شعبة الذي علقه أبو داود أخرجه مسلم والترمذي وأخرجه البخاري ولم يذكر فيه اللفظ .




                                                                      الخدمات العلمية