الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4485 حدثنا أحمد بن عبدة الضبي حدثنا سفيان قال الزهري أخبرنا عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه فأتي برجل قد شرب فجلده ثم أتي به فجلده ثم أتي به فجلده ثم أتي به فجلده ورفع القتل وكانت رخصة قال سفيان حدث الزهري بهذا الحديث وعنده منصور بن المعتمر ومخول بن راشد فقال لهما كونا وافدي أهل العراق بهذا الحديث قال أبو داود روى هذا الحديث الشريد بن سويد وشرحبيل بن أوس وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر وأبو غطيف الكندي وأبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( قال الزهري أخبرنا عن قبيصة بن ذؤيب ) : بضم الذال المعجمة مصغرا والضمير في قال لسفيان وفي أخبرنا للزهري أي قال سفيان أخبرنا الزهري عن قبيصة ( فإن عاد في الثالثة أو الرابعة ) شك من الراوي .

                                                                      ( فأتي ) : بصيغة المجهول ( قد شرب الخمر ) : والجملة حال من رجل ( ورفع القتل ) : أي رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم القتل عن ذلك الرجل أي لم يقتله وفي رواية الترمذي من طريق جابر ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة فضربه ولم يقتله ، ( فكانت رخصة ) : هذا دليل ظاهر على أن القتل بشرب الخمر في الرابعة منسوخ إن ثبت الحديث وسيظهر لك حاله في كلام المنذري .

                                                                      [ ص: 148 ] قال الطيبي : هذا أي قوله لم يقتله قرينة ناهضة على أن قوله فاقتلوه مجاز عن الضرب المبرح مبالغة لما عتا وتمرد ، ولا يبعد أن عمر رضي الله عنه أخذ جلد ثمانين من هذا المعنى انتهى ( وعنده ) : أي الزهري والواو للحال ( منصور بن المعتمر ) : أحد الأعلام المشهور الكوفي ( ومخول ) : بضم أوله وفتح المعجمة كمعظم ( بن راشد ) : النهدي مولاهم أبو راشد الكوفي ( فقال ) : الزهري ( كونا ) : أمر من الكون بصيغة التثنية ( وافدي أهل العراق بهذا الحديث ) : وافدي بصيغة التثنية سقطت النون للإضافة . قال في القاموس : وفد إليه وعليه قدم وورد .

                                                                      والمقصود أن منصور بن المعتمر ومخول بن راشد لما كانا من أهل العراق قال الزهري لهما بعدما حدثهما هذا الحديث اذهبا بهذا الحديث إلى أهل العراق وأخبراهم به ليعلموا أن القتل بشرب الخمر في الرابعة منسوخ وأن الناسخ له هو هذا الحديث والله تعالى أعلم .

                                                                      قال المنذري : قال الإمام الشافعي رضي الله عنه : والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره . وقال غيره : قد يراد الأمر بالوعيد ولا يراد به وقوع الفعل وإنما يقصد به الردع والتحذير ، وقد يحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجبا ثم نسخ بحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يقتل . هذا آخر كلامه . وقال غيره : أجمع المسلمون على وجوب الحد في الخمر وأجمعوا على أنه لا يقتل إذا تكرر منه إلا طائفة شاذة قالت يقتل بعد حده أربع مرات للحديث وهو عند الكافة منسوخ . هذا آخر كلامه . وقبيصة بن ذؤيب ولد عام الفتح وقيل إنه ولد أول سنة من الهجرة ولم يذكر له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعده الأئمة من التابعين وذكروا أنه سمع من الصحابة فإذا ثبت أن مولده في أول سنة من الهجرة أمكن أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قيل إنه أتي به النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام يدعو له . وذكر عن الزهري أنه كان إذا ذكر قبيصة بن ذؤيب قال : كان من علماء هذه الأمة وأما أبوه ذؤيب بن حلحلة فله صحبة . انتهى كلام المنذري .

                                                                      وأخرج النسائي في السنن الكبرى عن محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن [ ص: 149 ] جابر مرفوعا من شرب الخمر فاجلدوه ، إلى آخره ، قال ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب الخمر في الرابعة فجلده ولم يقتله ورواه البزار في مسنده عن محمد بن إسحاق به أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالنعمان قد شرب الخمر ثلاثا فأمر بضربه فلما كان في الرابعة أمر به فجلد الحد فكان نسخا انتهى ( قال أبو داود إلخ ) : هذه العبارة إلى قوله عن أبي هريرة ليست في عامة النسخ ( روى هذا الحديث ) : أي حديث القتل في الرابعة ( وشرحبيل بن أوس ) : وحديثه عند الطبراني والحاكم .

                                                                      ومقصود المؤلف أن جماعة من الصحابة رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالقتل في الرابعة ، وأما قبيصة فروى عنه صلى الله عليه وسلم رخصة في ذلك والله أعلم .




                                                                      الخدمات العلمية