الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4510 حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال كان جابر بن عبد الله يحدث أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية ثم أهدتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع فأكل منها وأكل رهط من أصحابه معه ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ارفعوا أيديكم وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية فدعاها فقال لها أسممت هذه الشاة قالت اليهودية من أخبرك قال أخبرتني هذه في يدي للذراع قالت نعم قال فما أردت إلى ذلك قالت قلت إن كان نبيا فلن يضره وإن لم يكن نبيا استرحنا منه فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة حجمه أبو هند بالقرن والشفرة وهو مولى لبني بياضة من الأنصار حدثنا وهب بن بقية حدثنا خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية نحو حديث جابر قال فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري فأرسل إلى اليهودية ما حملك على الذي صنعت فذكر نحو حديث جابر فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت ولم يذكر أمر الحجامة [ ص: 177 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 177 ] ( شاة مصلية ) : أي مشوية ( ثم أهدتها ) : أي الشاة المسمومة ( فأكل منها ) : أي من الذراع ( وأكل رهط ) : أي جماعة ( معه ) صلى الله عليه وسلم : ( ثم قال لهم ) : أي لأصحابه الآكلين ( ارفعوا أيديكم ) : ولا تأكلوا منها ( وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : رجلا ( فدعاها ) : أي دعا الرجل اليهودية فجاءت ( أسممت هذه الشاة ) : بهمزة الاستفهام أي أجعلت فيها السم ( قال ) : النبي صلى الله عليه وسلم ( هذه في يدي الذراع ) : بضم العين بدل من هذه ( قالت ) : اليهودية ( قلت ) : أي في نفسي ( إن كان ) : أي محمد ( نبيا ) : ويأكل الشاة المسمومة ( فلم يضره ) صلى الله عليه وسلم : أكل السم ( وإن لم يكن ) : أي محمد ( نبيا ) : فيأكله فيموت ( استرحنا منه ) : أي من محمد صلى الله عليه وسلم ( فعفا عنها ) : أي عن اليهودية ( ولم يعاقبها ) : أي لم يؤاخذ النبي صلى الله عليه وسلم اليهودية بهذا الفعل .

                                                                      قال في مرقاة الصعود : وفي الحديث الذي يليه فأمر بقتلها فقتلت .

                                                                      قال الواقدي : الثابت عندنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها وأمر بلحم الشاة فأحرق .

                                                                      وقال البيهقي في سننه : اختلفت الروايات في قتلها وما روي عن أنس أصح ، قال ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم في الابتداء لم يعاقبها حين لم يمت أحد من الصحابة ممن أكل فلما مات بشر بن البراء أمر بقتلها ، فروى كل واحد من الرواة ما شاهد انتهى .

                                                                      قال النووي : قال القاضي عياض : واختلف الآثار والعلماء هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلم أم لا ، فوقع في صحيح مسلم أنهم قالوا ألا نقتلها ؟ قال لا ، ومثله عن أبي هريرة وجابر ، وعن جابر من رواية أبي سلمة أنه صلى الله عليه وسلم قتلها ، وفي رواية ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور وكان أكل منها فمات بها فقتلوها .

                                                                      [ ص: 178 ] وقال ابن سحنون : أجمع أهل الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها .

                                                                      قال القاضي عياض : وجه الجمع بين هذه الروايات والأقاويل أنه لم يقتلها أولا حين اطلع على سمها ، وقيل له اقتلها فقال لا ، فلما مات بشر بن البراء من ذلك سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصا ، فيصح قولهم لم يقتلها أي في الحال ، ويصح قولهم قتلها أي بعد ذلك والله أعلم انتهى .

                                                                      ( على كاهله ) : قال في المصباح : الكاهل مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق ، وقال أبو زيد : الكاهل من الإنسان خاصة ويستعار لغيره وهو ما بين كتفيه ( حجمه ) : أي النبي صلى الله عليه وسلم ( بالقرن ) : قال في النهاية : وهو اسم موضع فإما هو الميقات أو غيره ، وقيل هو قرن ثور جعل كالمحجمة انتهى ، وبالفارسية شاخ كاو ( والشفرة ) : قال في النهاية الشفرة السكين العريضة ( وهو ) : أي أبو هند ( مولى لبني بياضة من الأنصار ) .

                                                                      قال المنذري : هذا الحديث منقطع ، الزهري لم يسمع من جابر بن عبد الله ، وذكر بعضهم أنه ليس في الحديث أكثر من أن اليهودية أهدتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعثتها إليه فصارت ملكا له ، وكان أصحابه أضيافا له ولم تكن هي قدمتها إليه وإليهم ، وما كان هذا سبيله فالقود فيه ساقط لما ذكرنا من علة المباشرة وتقديمها على السبب . وأشار إلى أن حديث أبي سلمة مرسل وحديث جابر منقطع كما ذكرنا . ( عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : مرسلا ، وفي بعض النسخ زيادة أبي هريرة بعد أبي سلمة وهو غلط لأن هذا الحديث من هذه الطريق مرسل ذكره المنذري .

                                                                      وقال المزي في الأطراف : رواه أبو داود عن وهب بن بقية عن خالد بن عبد الله الطحان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية شاة الحديث .

                                                                      وقال في كتاب المراسيل من الأطراف : محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية الحديث انتهى ( أهدت له ) أي [ ص: 179 ] للنبي صلى الله عليه وسلم ( مصلية ) أي مشوية ( نحو حديث جابر ) : السابق ( قال ) : الراوي ( فأرسل ) : أي النبي صلى الله عليه وسلم رجلا ( فأمر بها ) : أي باليهودية ( فقتلت ) : قصاصا من بشر .

                                                                      قال الخطابي : وقد اختلف الناس فيما يجب على من جعل في طعام رجل سما فأكله فمات ، فقال مالك عليه القود ، وأوجبه الشافعي في أحد قوليه إذا جعل في طعامه سما وأطعمه إياه وفي شرابه فسقاه ولم يعلمه أن فيه سما فمات . قال الشافعي : ولو خلطه بطعام فوضعه ولم يقل له كله فأكله أو شربه فمات فلا قود عليه ( ولم يذكر ) : الراوي ( أمر الحجامة ) : قال المنذري : وهذا مرسل ، ورويناه عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة . وقال البيهقي أيضا : ويحتمل أنه لم يقتلها في الابتداء ثم لما مات بشر بن البراء أمر بقتلها والله عز وجل أعلم .




                                                                      الخدمات العلمية