الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4688 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع من كن فيه فهو منافق خالص ومن كانت فيه خلة منهن كان فيه خلة من نفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر [ ص: 346 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 346 ] ( أربع ) : أي خصال أربع أو أربع من الخصال فساغ الابتداء به ( من كن ) : أي تلك الأربع ( فيه ) : الضمير لمن ( فهو منافق خالص ) : قال العلقمي : أي في هذه الخصال فقط لا في غيرها ، أو شديد الشبه بالمنافقين ، ووصفه بالخلوص يؤيد قول من قال : إن المراد بالنفاق العملي دون الإيماني أنه النفاق العرفي لا الشرعي ، لأن الخلوص بهذين المعنيين لا يستلزم الكفر الملقي في الدرك الأسفل من النار ( حتى يدعها ) : أي إلى أن يتركها ( إذا حدث كذب ) : أي عمدا بغير عذر ( وإذا وعد أخلف ) : أي إذا وعد بالخير في المستقبل لم يف بذلك ( وإذا عاهد غدر ) : أي نقض العهد وترك الوفاء بما عاهد عليه . وأما الفرق بين الوعد والعهد فلم أر من ذكر الفرق بين الوعد والعهد صريحا .

                                                                      والظاهر من صنيع الإمام البخاري رحمه الله أنه لا فرق بينهما بل هما مترادفان فإنه قال في كتاب الشهادات من صحيحه باب من أمر بإنجاز الوعد ، ثم استدل على مضمون الباب بأربعة أحاديث أولها حديث أبي سفيان بن حرب في قصة هرقل أورد منه طرفا وهو أن هرقل قال له سألتك ماذا يأمركم . فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد الحديث .

                                                                      ولولا أن الوعد والعهد متحدان لما تم هذا الاستدلال ، فثبت من صنيعه هذا أنهما متحدان . والظاهر من كلام الحافظ رحمه الله في الفتح أن بينهما فرقا فإنه قال إن معناهما قد يتحد ونصه في شرح باب علامات المنافق من كتاب الإيمان قال القرطبي والنووي : حصل في مجموع الروايتين خمس خصال لأنهما تواردتا على الكذب في الحديث والخيانة في الأمانة وزاد الأول الخلف في الوعد والثاني الغدر في المعاهدة والفجور في الخصومة .

                                                                      قلت : وفي رواية مسلم الثاني بدل الغدر في المعاهدة الخلف في الوعد كما في الأول ، فكأن بعض الرواة تصرف في لفظه لأن معناهما قد يتحد إلخ . فلفظه قد تدل دلالة [ ص: 347 ] ظاهرة على أن بينهما فرقا ، ولكن لم يبين أنه أي فرق بينهما ، ولعل الفرق هو أن الوعد أعم من العهد مطلقا ، فإن العهد هو الوعد الموثق فأينما وجد العهد وجد الوعد ، من غير عكس . لجواز أن يوجد الوعد من غير توثيق .

                                                                      ويمكن أن يكون بينهما عموم وخصوص من وجه ، فالوعد أعم من العهد ، بأن العهد لا يطلق إلا إذا كان الوعد موثقا والوعد أهم من أن يكون موثقا أو لا يكون كذلك ، ويشهد على ذلك لفظ الحديث لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق على إخلاف الوعد لفظ الإخلاف ، وعلى إخلاف العهد لفظ الغدر ، ولا شك أن الغدر أشد من الإخلاف ، فعلم أن العهد أشد وأوثق من الوعد . ويؤيده قول الله عز وجل : الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه : الآية . وأما العهد أهم من الوعد فبأن الوعد لا يطلق إلا على ما يكون لشخص آخر ، والعهد يطلق على ما يكون لشخص آخر أو لنفسه كما لا يخفى . قال الله عز وجل : أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون : فهاهنا عهدهم ليس إلا على أنفسهم بالإيمان وقال الله تعالى إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم : الآية فهاهنا معاهدة المؤمنين لا على أنفسهم بل من المشركين .

                                                                      وأما الوعد فلا يوجد في كلام العرب إلا لرجل آخر ، كما قال الله عز وجل في القرآن وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم : الآية . وقال الله تعالى : ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك : الآية . وقال تعالى ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم : الآية ، وغير ذلك من الآيات والأحاديث وكلام أهل العرب . فلعل مراد البخاري ثم الحافظ باتحاد الوعد والعهد اجتماعهما في مادة الوعد من غير نظر إلى الوثوق وغير الوثوق ، وكذلك إلى أنه لرجل آخر أو لنفسه والله تعالى أعلم ( وإذا خاصم فجر ) : أي شتم ورمى بالأشياء القبيحة .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه .




                                                                      الخدمات العلمية