الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      4694 حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا المعتمر قال سمعت منصور بن المعتمر يحدث عن سعد بن عبيدة عن عبد الله بن حبيب أبي عبد الرحمن السلمي عن علي عليه السلام قال كنا في جنازة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقيع الغرقد فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس ومعه مخصرة فجعل ينكت بالمخصرة في الأرض ثم رفع رأسه فقال ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلا كتب الله مكانها من النار أو من الجنة إلا قد كتبت شقية أو سعيدة قال فقال رجل من القوم يا نبي الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل فمن كان من أهل السعادة ليكونن إلى السعادة ومن كان من أهل الشقوة ليكونن إلى الشقوة قال اعملوا فكل ميسر أما أهل السعادة فييسرون للسعادة وأما أهل الشقوة فييسرون للشقوة ثم قال نبي الله فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( ببقيع الغرقد ) : هو مقبرة أهل المدينة ، والغرقد نوع من الشجر وكان بالبقيع فأضيف إليه ( ومعه مخصرة ) : بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الصاد المهملة هي عصا أو قضيب يمسكه الرئيس ليتوكأ عليه ويدفع به عنه ويشير به لما يريد وسميت بذلك لأنها تحمل تحت الخصر غالبا للاتكاء عليها قاله الحافظ ( فجعل ينكت ) : بفتح الياء وضم الكاف وآخره تاء مثناة فوق أي يخط بالمخصرة خطا يسيرا مرة بعد مرة ، وهذا فعل المفكر المهموم ( ما من نفس منفوسة ) : أي مولودة وهو بدل من قوله ما منكم من أحد ( أو من الجنة ) : أو للتنويع ( إلا قد كتبت شقية أو سعيدة ) : بدل من قوله إلا قد كتب الله مكانها إلخ ، والضمير في كتبت للنفس ( قال ) : أي علي بن أبي طالب رضي الله عنه ( أفلا نمكث على كتابنا ) : أي أفلا نعتمد على المقدر لنا في الأزل ( وندع العمل ) : أي نتركه ( فمن كان من أهل السعادة ) : أي في علم الله تعالى ( ليكونن ) : أي ليصيرن ( إلى السعادة ) : أي إلى [ ص: 359 ] عمل السعادة ( من أهل الشقوة ) : بكسر الشين بمعنى الشقاوة وهي ضد السعادة ( اعملوا فكل ميسر ) : أي لما خلق له ( فييسرون للسعادة ) بصيغة المجهول أي يسهلون ويهيئون وحاصل السؤال ألا نترك مشقة العمل فإنا سنصير إلى ما قدر علينا . وحاصل الجواب لا مشقة لأن كل أحد ميسر لما خلق له وهو يسير على من يسره الله .

                                                                      قال الطيبي : الجواب من الأسلوب الحكيم منعهم عن ترك العمل وأمرهم بالتزام ما يجب على العبد من العبودية وزجرهم عن التصرف في الأمور المغيبة فلا يجعلوا العبادة وتركها سببا مستقلا لدخول الجنة والنار بل هي علامات فقط ( فأما من أعطى ) : أي حق الله من المال أو الامتثال ( واتقى ) : أي خاف مخالفته أو عقوبته واجتنب معصيته ( وصدق بالحسنى ) : أي بكلمة لا إله إلا الله ( فسنيسره ) : أي نهيئه في الدنيا ( لليسرى ) : أي للخلة اليسرى وهو العمل بما يرضاه ( وأما من بخل ) : أي بالنفقة في الخير ( واستغنى ) : أي بشهوات الدنيا عن نعيم العقبى ( وكذب بالحسنى ) : أي بكلمة لا إله إلا الله ( فسنيسره للعسرى ) : أي للخلة المؤدية إلى العسر والشدة وهي خلاف اليسرى . وفي الكشاف : سمى طريقة الخير باليسرى لأن عاقبته اليسر ، وطريقة الشر بالعسرى لأن عاقبته العسر .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه .




                                                                      الخدمات العلمية