الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      514 حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد الله بن عمر بن غانم عن عبد الرحمن بن زياد يعني الأفريقي أنه سمع زياد بن نعيم الحضرمي أنه سمع زياد بن الحارث الصدائي قال لما كان أول أذان الصبح أمرني يعني النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت فجعلت أقول أقيم يا رسول الله فجعل ينظر إلى ناحية المشرق إلى الفجر فيقول لا حتى إذا طلع الفجر نزل فبرز ثم انصرف إلي وقد تلاحق أصحابه يعني فتوضأ فأراد بلال أن يقيم فقال له نبي الله صلى الله عليه وسلم إن أخا صداء هو أذن ومن أذن فهو يقيم قال فأقمت

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( زياد بن الحارث ) هو حليف لبني الحارث بن كعب بايع النبي صلى الله عليه وسلم وأذن [ ص: 157 ] بين يديه ويعد في البصريين ، قاله الطيبي ( الصدائي ) بضم الصاد منسوب إلى صداء ممدودا وهو حي من اليمن . قاله ابن الملك ( لما كان أول أذان الصبح ) أي لما كان الوقت لأول أذان الصبح ، وهو في هذا الحديث قبل طلوع الفجر وسيجيء بيانه وتعبيره بالأول باعتبار الإقامة فإنها ثانية ( أمرني ) أن أذن في صلاة الفجر ( فأذنت ) ولعله كان بلال غائبا فحضر ( فجعل ينظر ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( فيقول لا ) أي ما جاء وقت الإقامة ( نزل ) يشبه أن يكون نزول النبي صلى الله عليه وسلم من الراحلة ( فبرز ) أي توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ( وقد تلاحق أصحابه ) وكانوا متفرقين وكانت هذه واقعة سفر كما قال الحافظ ( يعني فتوضأ ) هذا تفسير لبرز من بعض الرواة ( أن يقيم ) على عادته ( ومن أذن فهو يقيم ) أي الإقامة .

                                                                      قلت : هذا الحديث يدل على مسألتين ، المسألة الأولى أنه يكفي الأذان قبل الفجر عن إعادة الأذان بعد الفجر لأن فيه أنه أذن قبل الفجر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه استأذنه في الإقامة فمنعه إلى أن طلع الفجر فأمره فأقام . والمسألة الثانية أن من أذن فهو يقيم . أما الكلام في المسألة الأولى فبأن في إسناده ضعفا وأيضا فهي واقعة عين وكانت في سفر فلا تقوم به الحجة ، وأيضا حديث ابن عمر الذي أخرجه البخاري في صحيحه ولفظه إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم يشعر بعدم الاكتفاء ، ولا شك أن حديث الصدائي مع ضعفه لا يقاوم حديث ابن عمر الذي أخرجه البخاري ، هذا ملتقط من فتح الباري . وأما الكلام في المسألة الثانية فبأن الحديث وإن كان ضعيفا ، لكن له شواهد وإن كانت الشواهد ضعيفة أيضا وأن الإقامة حق لمن أذن وما ورد في خلافه حديث صحيح . قال في سبل السلام : والحديث دليل على أن الإقامة حق لمن أذن فلا تصح من غيره ، وعضد حديث الباب حديث ابن عمر بلفظ مهلا يا بلال فإنما يقيم من أذن أخرجه الطبراني والعقيلي وأبو الشيخ وإن كان قد ضعفه أبو حاتم وابن حبان انتهى . قال الشوكاني في النيل : الحديث في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي عن زياد بن نعيم الحضرمي عن زياد بن الحارث الصدائي . قال الترمذي : إنما نعرفه من حديث الإفريقي وهو ضعيف عند أهل الحديث ، ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره . وقال [ ص: 158 ] أحمد لا أكتب حديث الإفريقي ، قال ورأيت محمد بن إسماعيل يقوي أمره ويقول هو مقارب الحديث ، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أن من أذن فهو يقيم . قال الحازمي في كتابه الناسخ والمنسوخ : واتفق أهل العلم في الرجل يؤذن ويقيم غيره أن ذلك جائز ، واختلفوا في الأولوية ، فقال أكثرهم لا فرق والأمر متسع ، وممن رأى ذلك مالك وأكثر أهل الحجاز وأبو حنيفة وأكثر أهل الكوفة وأبو ثور . وقال بعض العلماء : من أذن فهو يقيم . قال الشافعي : وإذا أذن الرجل أحببت أن يتولى الإقامة . وقد عرفت تأخير حديث الصدائي هذا وأرجحية الأخذ به على أنه لو لم يتأخر لكان حديث عبد الله بن زيد السابق خاصا به والأولوية باعتبار غيره من الأمة . وقال الحافظ اليعمري : والأخذ بحديث الصدائي أولى لأن حديث عبد الله بن زيد السابق كان أول ما شرع الأذان في السنة الأولى وحديث الصدائي بعده بلا شك انتهى . وقد مضى بعض بيانه في حديث عبد الله بن زيد السابق . قال المنذري : والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه .

                                                                      باب رفع الصوت بالأذان




                                                                      الخدمات العلمية