الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      5192 حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة أن نفرا من أهل العراق قالوا يا ابن عباس كيف ترى في هذه الآية التي أمرنا فيها بما أمرنا ولا يعمل بها أحد قول الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم قرأ القعنبي إلى عليم حكيم قال ابن عباس إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجال فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيمة الرجل والرجل على أهله فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات فجاءهم الله بالستور والخير فلم أر أحدا يعمل بذلك بعد قال أبو داود حديث عبيد الله وعطاء يفسد هذا الحديث

                                                                      التالي السابق


                                                                      الذين ملكت أيمانكم يعني العبيد والإماء والذين لم يبلغوا الحلم منكم من الأحرار وليس المراد منهم الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء بل الذين عرفوا أمر النساء ولكن لم يبلغوا ثلاث مرات أي في ثلاثة أوقات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة يريد المقيل ومن بعد صلاة العشاء وإنما خص هذه الأوقات لأنها ساعات الخلوة ووضع الثياب فربما يبدو من الإنسان ما لا يحب أن يراه أحد من العبيد والصبيان فأمروا بالاستئذان في هذه الأوقات وأما غيرهم فليستأذنوا في جميع الأوقات

                                                                      ثلاث عورات لكم سمى هذه الأوقات عورات لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فيبدو عورته كذا في معالم التنزيل ليس عليكم ولا عليهم أي المماليك والصبيان جناح في الدخول عليكم بغير استئذان بعدهن أي بعد الأوقات الثلاثة طوافون عليكم [ ص: 77 ] أي هم طوافون عليكم للخدمة قال في تفسير الجلالين وآية الاستئذان قيل منسوخة ، وقيل لا ولكن تهاون الناس في ترك الاستئذان قرأ القعنبي هو عبد الله بن مسلمة ليس لبيوتهم ستور جمع ستر بالكسر بمعنى الحجاب ولا حجال جمع حجلة بفتحتين وهي بيت كالقبة يستر بالثياب يجعلونها للعروس كذا في فتح الودود وفي بعض النسخ ولا حجاب بالموحدة مكان اللام والرجل على أهله الواو للحال فلم أر أحدا يعمل بذلك بعد بالضم أي بعدما جاءهم الله بالستور والخير وقال الإمام ابن كثير في تفسيره تحت قوله تعالى ياأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين إلخ هذه الآيات الكريمة اشتملت على استئذان الأقارب بعضهم على بعض وما تقدم في أول السورة فهو استئذان الأجانب بعضهم على بعض فأمر الله تعالى المؤمنين أن يستأذنهم خدمهم مما ملكت أيمانهم وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم في ثلاثة أحوال من قبل صلاة الغداة لأن الناس إذ ذاك يكونون نياما في فرشهم وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة أي في وقت القيلولة لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله ومن بعد صلاة العشاء لأنه وقت النوم فيؤمر الخدم والأطفال أن لا يهجموا على أهل البيت في هذه الأحوال لما يخشى من أن يكون الرجل على أهله أو نحو ذلك من الأعمال ولهذا قال ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن أي إذا دخلوا في حال غير هذه الأحوال فلا جناح عليكم في تمكينكم إياهم ولا عليهم إن رأوا شيئا من غير تلك الأحوال لأنه قد أذن لهم في الهجوم ولأنهم طوافون عليكم أي في الخدمة وغير ذلك انتهى كلامه

                                                                      ورواية عكرمة عن ابن عباس المذكورة أخرجها ابن أبي حاتم أيضا وهذا لفظه حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا ابن وهب أخبرنا سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلين سألاه عن الاستئذان في ثلاث عورات التي أمر الله بها في القرآن فقال ابن عباس : إن الله ستير يحب الستر كان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم ولا [ ص: 78 ] حجال في بيوتهم فربما فاجأ الرجل خادمه أو ولده أو يتيمه في حجره وهو على أهله فأمرهم الله أن يستأذنوا في تلك العورات التي سمى الله ثم جاء الله بعد بالستور فبسط الله عليهم الرزق فاتخذوا الستور واتخذوا الحجال فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أمروا به ، انتهى قال ابن كثير وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس انتهى

                                                                      ( قال أبو داود ) هذه العبارة إلى قوله يفسد هذا الحديث لم توجد في أكثر النسخ حديث عبيد الله بن أبي يزيد الذي تقدم ونص على الاستئذان ( و ) : كذا حديث ( عطاء ) عن ابن عباس الذي تقدم أيضا يفسد بالدال المهملة من الإفساد أي يضعف هذا الحديث أي حديث عكرمة عن ابن عباس وكذا ضعفه المنذري أيضا كما سيجيء

                                                                      ووقع في بعض النسخ يفسر هذا الحديث من التفسير آخره راء مهملة ولا يظهر معناه والله أعلم والجمع بين الروايتين لابن عباس ممكن بحيث إن الإذن إذا لم يكن في البيت حجاب وستر وعدم الإذن إذا يكون في البيت حجاب وستر والله أعلم

                                                                      قال الحافظ المنذري : قال بعضهم هذا لا يصح عن ابن عباس هذا آخر كلامه وليس فيه ما يدل على أن عكرمة سمعه من ابن عباس . وفي إسناده عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب وهو وإن كان البخاري ومسلم احتجا به فقد قال ابن معين لا يحتج بحديثه وقال مرة ليس بالقوي وليس بحجة وقال مرة : مالك يروي عن عمرو بن أبي عمرو وكان يضعف انتهى

                                                                      وقال الحافظ في الهدي الساري مقدمة فتح الباري عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب من صغار التابعين وثقه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والعجلي وضعفه ابن معين والنسائي وعثمان الدارمي لروايته عن عكرمة حديث البهيمة وقال العجلي أنكروا عليه حديث البهيمة يعني حديثه عن عكرمة عن ابن عباس : من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة وقال البخاري : لا أدري سمعه من عكرمة أم لا وقال أبو داود : ليس هو بذاك حدث بحديث البهيمة وقد روى عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس : " ليس على من أتى بهيمة حد " وقال الساجي : صدوق إلا أنه يهم

                                                                      قال الحافظ : لم يخرج له البخاري من روايته عن عكرمة شيئا بل أخرج له من رواية عن أنس [ ص: 79 ] أربعة أحاديث ومن روايته عن سعيد بن جبير عن ابن عباس حديثا واحدا ومن روايته عن سعيد المقبري عن أبي هريرة حديثا واحدا واحتج به الباقون أي من الأئمة الستة ، انتهى




                                                                      الخدمات العلمية