الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الصدقة عن الميت

                                                                                                          669 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا روح بن عبادة حدثنا زكريا بن إسحق حدثني عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا قال يا رسول الله إن أمي توفيت أفينفعها إن تصدقت عنها قال نعم قال فإن لي مخرفا فأشهدك أني قد تصدقت به عنها قال أبو عيسى هذا حديث حسن وبه يقول أهل العلم يقولون ليس شيء يصل إلى الميت إلا الصدقة والدعاء وقد روى بعضهم هذا الحديث عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا قال ومعنى قوله إن لي مخرفا يعني بستانا

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أفينفعها إن تصدقت عنها ) بكسر الهمزة على أنها شرطية وفاعل ينفع ضمير راجع إلى التصدق المفهوم من الشرط ولا يلزم الإضمار قبل الذكر ؛ لأن قوله " أفينفعها " في معنى جزاء الشرط فكأنه متأخر عن الشرط رتبة ، أو يقال إن المرجع متقدم حكما لأن سوق الكلام دال عليه كما في قوله تعالى : ولأبويه لكل واحد منهما السدس أي أبوي الميت ، قاله أبو الطيب السندي .

                                                                                                          قوله : ( فإن لي مخرفا ) بفتح الميم الحديقة من النخل أو العنب أو غيرهما ( فأشهدك ) صيغة المتكلم من الإشهاد ( به ) أي بالمخرف ( عنها ) أي عن أمي .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن ) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي .

                                                                                                          قوله : ( وبه يقول أهل العلم ، يقولون : ليس شيء يصل إلى الميت إلا الصدقة والدعاء ) أي وصول نفعهما إلى الميت مجمع عليه لا اختلاف بين علماء أهل السنة والجماعة ، واختلف في العبادات البدنية كالصوم والصلاة وقراءة القرآن . قال القاري في شرح الفقه الأكبر : ذهب أبو حنيفة وأحمد وجمهور السلف رحمهما الله إلى وصولها ، والمشهور من مذهب الشافعي ومالك عدم وصولها ، انتهى .

                                                                                                          وقال في المرقاة : قاله السيوطي في شرح الصدور : اختلف في وصول ثواب القرآن للميت ، فجمهور السلف والأئمة الثلاثة على الوصول ، وخالف في ذلك إمامنا الشافعي مستدلا بقوله تعالى : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأجاب الأولون عن الآية بأوجه :

                                                                                                          [ ص: 275 ] أحدها : إنها منسوخة بقوله تعالى : والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم الآية ، أدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء .

                                                                                                          الثاني : أنها خاصة بقوم إبراهيم وموسى -عليهما الصلاة والسلام- ، فأما هذه الأمة فلها ما سعت وما سعي لها ؛ قاله عكرمة .

                                                                                                          الثالث : أن المراد بالإنسان هنا الكافر ، فأما المؤمن ، فله ما سعى وسعي له ، قاله الربيع بن أنس .

                                                                                                          الرابع : ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل ، فأما من باب الفضل فجائز أن يزيده الله ما شاء ، قاله الحسين بن فضل .

                                                                                                          الخامس : أن اللام في الإنسان بمعنى على ، أي ليس على الإنسان إلا ما سعى ، واستدلوا على الوصول بالقياس على الدعاء والصدقة والصوم والحج والعتق ، فإنه لا فرق في نقل الثواب بين أن يكون عن حج أو صدقة أو وقف أو دعاء أو قراءة ، وبما أخرج أبو محمد السمرقندي في فضائل قل هو الله أحد عن علي مرفوعا : من مر على المقابر وقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة ثم وهب أجره للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات .

                                                                                                          وبما أخرج أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني في فوائده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " من دخل المقابر ثم قرأ فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وألهاكم التكاثر ثم قال : إني جعلت ثواب ما قرأت من كلامك لأهل المقابر من المؤمنين والمؤمنات ؛ كانوا شفعاء له إلى الله تعالى " ، وبما أخرج صاحب الخلال بسنده عن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : " من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم وكان له بعدد من فيها حسنات " .

                                                                                                          وهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة فمجموعها يدل على أن لذلك أصلا وأن المسلمين ما زالوا في كل مصر وعصر يجتمعون ويقرءون لموتاهم من غير نكير فكان ذلك إجماعا ، ذكر ذلك كله الحافظ شمس الدين بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي في جزء ألفه في المسألة . انتهى ما في المرقاة بتقديم وتأخير .

                                                                                                          قلت : قوله : فمجموعها يدل على أن لذلك أصلا ؛ فيه تأمل ، فلينظر هل يدل مجموعها على أن لذلك أصلا أم لا ، وليس كل مجموع من عدة أحاديث ضعاف يدل على أن لها أصلا . فأما قوله : وأن المسلمين ما زالوا في كل مصر وعصر يجتمعون ويقرءون لموتاهم ففيه نظر ظاهر ، فإنه لم يثبت عن السلف الصالحين -رضي الله عنهم- اجتماعهم وقراءتهم لموتاهم ، ومن يدعي ثبوته فعليه البيان بالإسناد الصحيح .

                                                                                                          وقال الشوكاني في النيل : والحق أنه يخصص عموم الآية يعني آية ليس للإنسان إلا ما سعى بالصدقة من الولد وبالحج من الولد ومن غير الولد أيضا وبالعتق من الولد لما ورد في هذا كله من الحديث ، وبالصلاة من الولد أيضا ، لما روى [ ص: 276 ] الدارقطني أن رجلا قال : يا رسول الله ، إنه كان لي أبوان أبرهما في حال حياتهما فكيف لي ببرهما بعد موتهما؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " إن من البر أن تصلي لهما مع صلاتك ، وأن تصوم لهما مع صيامك . " قال : وبالصيام من الولد لهذا الحديث ، ولحديث ابن عباس عند البخاري ومسلم أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها ؟ فقال : " أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها؟ " قالت : نعم ، قال : " فصومي " .

                                                                                                          ومن غير الولد لحديث : " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " . متفق عليه من حديث عائشة . قال : وبقراءة يس من الولد وغيره لحديث : " اقرءوا على موتاكم يس " ، قال : وبالدعاء من الولد وغيره لحديث : " أو ولد صالح يدعو له " ، ولحديث : " استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت " ، ولغير ذلك من الأحاديث وبجميع ما يفعله الولد لوالديه من أعمال البر لحديث : " ولد الإنسان من سعيه " . وقد قيل : إنه يقاس على هذه المواضع التي وردت بها الأدلة غيرها فيلحق الميت كل شيء فعله غيره . هذا تلخيص ما قاله الشوكاني في النيل .

                                                                                                          قلت : وحديث الدارقطني الذي ذكره الشوكاني ضعيف لا يصلح للاحتجاج ، وذكره مسلم في صحيحه وذكر وجه ضعفه .




                                                                                                          الخدمات العلمية