الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الصوم بالشهادة

                                                                                                          691 حدثنا محمد بن إسمعيل حدثنا محمد بن الصباح حدثنا الوليد بن أبي ثور عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الهلال قال أتشهد أن لا إله إلا الله أتشهد أن محمدا رسول الله قال نعم قال يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدا حدثنا أبو كريب حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن سماك نحوه بهذا الإسناد قال أبو عيسى حديث ابن عباس فيه اختلاف وروى سفيان الثوري وغيره عن سماك عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وأكثر أصحاب سماك رووا عن سماك عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم قالوا تقبل شهادة رجل واحد في الصيام وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وأهل الكوفة قال إسحق لا يصام إلا بشهادة رجلين ولم يختلف أهل العلم في الإفطار أنه لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا محمد بن إسماعيل ) هو الإمام البخاري رحمه الله ( أخبرنا محمد بن الصباح ) الدولابي أبي جعفر البغدادي ، ثقة حافظ من العاشرة ( أخبرنا الوليد بن أبي ثور ) هو الوليد بن عبد الله بن أبي ثور الهمداني الكوفي وقد ينسب بجده ، ضعيف من الثامنة كذا في التقريب ( جاء أعرابي ) أي واحد من الأعراب وهم سكان البادية ( إني رأيت الهلال ) يعني هلال رمضان كما في رواية يعني وكان غيما ، وفيه دليل على أن الإخبار كاف ولا يحتاج إلى لفظ الشهادة ولا إلى الدعوى ( فقال : أتشهد أن لا إله إلا الله إلخ ) قال ابن الملك : دل على أن الإسلام شرط في الشهادة ( أذن في الناس ) أمر من التأذين أي ناد فيهم وأعلمهم .

                                                                                                          قوله : ( وأكثر أصحاب سماك رووا عن سماك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلا ) وقال النسائي : إنه أولى بالصواب ، وسماك إذا تفرد بأصل لم يكن حجة ، كذا قال الحافظ في التلخيص . وقال في بلوغ المرام : رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان ورجح النسائي إرساله ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وبه يقول ابن المبارك والشافعي ) أي في أحد قوليه . قال النووي : وهو الأصح [ ص: 304 ] ( وأحمد ) وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله- : وهو قول الجمهور كما صرح به الحافظ في الفتح ، واستدلوا بحديث الباب وبحديث ابن عمر -رضي الله عنه- قال : تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه ، رواه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم ( وقال إسحاق : لا يصام إلا بشهادة رجلين ) وبه قال مالك والليث والأوزاعي والثوري والشافعي في أحد قوليه ، واستدلوا بحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب في اليوم الذي شك فيه فقال : ألا إني جالست أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسألتهم أنهم حدثوني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وأنسكوا لها ، فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين يوما ، فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا " . رواه أحمد والنسائي ولم يقل فيه : " مسلمان " قال الشوكاني في النيل : ذكره الحافظ في التلخيص ولم يذكر فيه قدحا وإسناده لا بأس به على اختلاف فيه ، انتهى . واستدلوا أيضا بحديث أمير مكة الحارث بن حاطب قال : عهد إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما . رواه أبو داود والدارقطني وقال : هذا إسناد متصل صحيح .

                                                                                                          وأجاب من قال بقبول شهادة رجل في الصيام عن هذين الحديثين بأن التصريح بالاثنين غاية ما فيه المنع من قبول الواحد بالمفهوم ، وحديث ابن عباس وحديث ابن عمر المذكورين يدلان على قبوله بالمنطوق ، ودلالة المنطوق أرجح ( ولم يختلف أهل العلم في الإفطار أنه لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين ) قال النووي في شرح مسلم : لا تجوز شهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء إلا أبا ثور فجوزه بعدل ، انتهى . واحتجوا بما رواه الدارقطني والطبراني في الأوسط من طريق طاوس قال : شهدت المدينة وبها ابن عمر وابن عباس فجاء رجل إلي واليها ، وشهد عنده على رؤية هلال شهر رمضان فسأل ابن عمر وابن عباس عن شهادته فأمراه أن يجيزه وقالا : إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجاز شهادة واحد على رؤية هلال رمضان وكان لا يجيز شهادة الإفطار إلا بشهادة رجلين ، قال الدارقطني : تفرد به حفص بن عمر الأيلي وهو ضعيف .

                                                                                                          فإن قلت : هذا الحديث ضعيف فكيف يصح الاحتجاج به على عدم جواز شهادة رجل واحد في الإفطار؟

                                                                                                          قلت : أصل الاحتجاج بحديث عبد الرحمن بن زيد وحديث الحارث بن حاطب المذكورين ، فإن قوله -صلى الله عليه وسلم- : " فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا " في حديث عبد [ ص: 305 ] الرحمن بن زيد ، وقوله : " فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما " في حديث الحارث يدلان بمفهومهما على عدم جواز شهادة رجل واحد في الإفطار ولا يعارضه منطوق ، بل منطوق حديث ابن عمر وابن عباس وإن كان ضعيفا يؤيدهما .




                                                                                                          الخدمات العلمية