الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الجنب يدركه الفجر وهو يريد الصوم

                                                                                                          779 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال أخبرتني عائشة وأم سلمة زوجا النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل فيصوم قال أبو عيسى حديث عائشة وأم سلمة حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وهو قول سفيان والشافعي وأحمد وإسحق وقد قال قوم من التابعين إذا أصبح جنبا يقضي ذلك اليوم والقول الأول أصح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( زوجا النبي ) بصيغة التثنية سقط نون التثنية بالإضافة .

                                                                                                          قوله : ( وهو جنب من أهله ) أي من الجماع لا من الاحتلام ( حديث عائشة وأم سلمة حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان وغيرهما ( والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم ) قال [ ص: 412 ] النووي في شرح مسلم : قد أجمع أهل هذه الأمصار على صحة صوم الجنب ، سواء كان من احتلام أو جماع ، وبه قال جماهير الصحابة والتابعين ، وحكي عن الحسن بن صالح بن حي إبطاله وكان عليه أبو هريرة ، والصحيح أنه رجع عنه كما صرح به في رواية مسلم ، وقيل لم يرجع عنه وليس بشيء ، وحكي عن طاوس وعروة : إن علم بجنابته لم يصح وإلا فيصح ، وحكي مثله عن أبي هريرة ، وحكمه أنه العقدي في صوم التطوع دون العرض ، وحكي عن سالم بن عبد الله والحسن البصري والحسن بن صالح يصومه ويقضيه ، ثم ارتفع هذا الخلاف وأجمع العلماء بعد هؤلاء على صحته ، انتهى كلام النووي .

                                                                                                          قوله : ( وقد قال قوم من التابعين : إذا أصبح جنبا يقضي ذلك اليوم ) وقد كان أبو هريرة -رضي الله عنه- يفتي الناس أنه من أصبح جنبا فلا يصوم ذلك اليوم ثم رجع عن هذه الفتيا . قال الحافظ في الفتح : وقد بقي على مقالة أبي هريرة بعض التابعين ، كما نقله الترمذي ثم ارتفع ذلك الخلاف واستقر الإجماع على خلافه كما جزم به النووي .

                                                                                                          وأما ابن دقيق العيد فقال : صار ذلك إجماعا أو كالإجماع ، انتهى ( والقول الأول أصح ) فإن قلت : قد ثبت من حديث أبي هريرة ما يخالف حديث الباب ، فأخرج الشيخان عنه أنه -صلى الله عليه وسلم- قال : " من أصبح جنبا فلا صوم له " ، وقد بقي على العمل بحديث أبي هريرة هذا بعض التابعين كما ذكره الترمذي فما وجه كون القول الأول أصح من القول الثاني .

                                                                                                          قلت : لوجوه مذكورة في فتح الباري وغيره قال ابن عبد البر : إنه صح وتواتر حديث عائشة وأم سلمة ، وأما حديث أبي هريرة فأكثر الروايات عنه أنه كان يفتي بذلك ، وأيضا رواية اثنين مقدمة على رواية واحد ولا سيما وهما زوجتان للنبي -صلى الله عليه وسلم- والزوجات أعلم بحال الأزواج . وقال الحافظ في التلخيص : قال ابن المنذر : أحسن ما سمعت في هذا الحديث أنه منسوخ ؛ لأن الجماع في أول الإسلام كان محرما على الصائم في الليل بعد النوم كالطعام والشراب ، فلما أباح الله الجماع إلى طلوع الفجر جاز للجنب إذا أصبح قبل الاغتسال ، وكان أبو هريرة يفتي بما سمعه من الفضل على الأمر الأول ولم يعلم النسخ ، فلما علمه من حديث عائشة وأم سلمة رجع إليه . قال الحافظ : وقال المصنف إنه محمول عند الأئمة على ما إذا أصبح مجامعا واستدامه مع علمه بالفجر ، والأول أولى ، انتهى . وقال محمد في موطئه : من أصبح جنبا من جماع من غير احتلام في شهر رمضان ثم اغتسل بعدما طلع الفجر فلا بأس بذلك وكتاب الله تعالى يدل على ذلك .

                                                                                                          [ ص: 413 ]



                                                                                                          الخدمات العلمية