الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          78 حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يقومون فيصلون ولا يتوضئون قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح قال وسمعت صالح بن عبد الله يقول سألت عبد الله بن المبارك عمن نام قاعدا معتمدا فقال لا وضوء عليه قال أبو عيسى وقد روى حديث ابن عباس سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس قوله ولم يذكر فيه أبا العالية ولم يرفعه واختلف العلماء في الوضوء من النوم فرأى أكثرهم أن لا يجب عليه الوضوء إذا نام قاعدا أو قائما حتى ينام مضطجعا وبه يقول الثوري وابن المبارك وأحمد قال بعضهم إذا نام حتى غلب على عقله وجب عليه الوضوء وبه يقول إسحق وقال الشافعي من نام قاعدا فرأى رؤيا أو زالت مقعدته لوسن النوم فعليه الوضوء [ ص: 213 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 213 ] قوله : ( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يقومون فيصلون ولا يتوضئون ) وفي رواية أبي داود كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون ، فظهر من هذه الرواية أن المراد من قوله : ينامون أنهم كانوا ينامون قعودا وكان نومهم هذا في انتظار العشاء الآخرة ، قال في القاموس : خفق فلان حرك رأسه إذا نعس ، وقال الخطابي معناه تسقط أذقانهم على صدورهم .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه مسلم وأبو داود .

                                                                                                          قوله : ( سمعت صالح بن عبد الله ) ابن ذكوان الباهلي الترمذي نزيل بغداد ، عن مالك وشريك وابن المبارك وخلق ، وعنه الترمذي وأبو حاتم وقال صدوق مات سنة 239 تسع وثلاثين ومائتين ( فقال لا وضوء عليه ) أي لا يجب عليه الوضوء .

                                                                                                          قوله : ( واختلف العلماء في الوضوء من النوم فرأى أكثرهم أنه لا يجب عليه الوضوء إذا نام قاعدا أو قائما حتى ينام مضطجعا ، وبه يقول الثوري وابن المبارك وأحمد ) واستدلوا على ذلك بحديث ابن عباس المذكور وقد عرفت ما فيه من المقال ، لكن قال الشوكاني في النيل : والمقال الذي فيه منجبر بما له من الطرق والشواهد ورجح هذا المذهب .

                                                                                                          قلت : هذا المذهب هو أرجح المذاهب عندي والله تعالى أعلم ، وهو مذهب عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما ، فروى الإمام مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال " إذا نام أحدكم مضطجعا فليتوضأ " .

                                                                                                          [ ص: 214 ] وروى البيهقي من طريق يزيد بن قسيط عن أبي هريرة أنه سمعه يقول : " ليس على المحتبي النائم ولا على القائم النائم وضوء حتى يضطجع " قال الحافظ إسناده جيد ، ومن المؤيدات لهذا المذهب حديث أنس المذكور .

                                                                                                          قال الشوكاني : والأحاديث المطلقة في النوم تحمل على المقيدة بالاضطجاع ، قال ومن المؤيدات لهذا الجمع ما رواه مسلم عن ابن عباس بلفظ : " إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني " وحديث " إذا نام العبد في صلاته باهى الله به ملائكته " أخرجه الدارقطني وابن شاهين من حديث أبي هريرة ، والبيهقي من حديث أنس وابن شاهين أيضا من حديث أبي سعيد وفي جميع طرقه مقال .

                                                                                                          وحديث من استحق النوم وجب عليه الوضوء عند البيهقي من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح ، قال البيهقي : روي ذلك مرفوعا ولا يصح ، وقال الدارقطني وقفه أصح ، وقد فسر استحقاق النوم بوضع الجنب ، انتهى كلام الشوكاني .

                                                                                                          ( وقال بعضهم إذا نام حتى غلب على عقله وجب عليه الوضوء وبه يقول إسحاق ) وعن إسحاق قول آخر وهو أن النوم حدث ينقض قليله وكثيره .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح : نقل ابن المنذر وغيره عن بعض الصحابة والتابعين المصير إلى أن النوم حدث ينقض قليله وكثيره ، وهو قول أبي عبيدة وإسحاق بن راهويه ، قال ابن المنذر وبه أقول لعموم حديث صفوان بن عسال يعني الذي صححه ابن خزيمة وغيره ففيه إلا من غائط أو بول أو نوم فسوى بينهما في الحكم ، والمراد بقليله وكثيره طول زمانه وقصره لا مباديه . انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          قلت : وأما قول إسحاق الذي ذكره الترمذي فمبني على أن النوم ليس بحدث بل هو مظنة الحدث .

                                                                                                          ( وقال الشافعي : من نام قاعدا فرأى رؤيا أو زالت مقعدته لوسن النوم فعليه الوضوء ) الوسن أول النوم ، وقد وسن يوسن سنة فهو وسن ووسنان ، والهاء في السنة عوض من الواو المحذوفة قاله الجزري في النهاية .

                                                                                                          [ ص: 215 ] واعلم أن للشافعي في انتقاض الوضوء من النوم أقوالا .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح : وقيل لا ينقض نوم غير القاعد مطلقا وهو قول الشافعي في القديم ، وعنه التفصيل بين خارج الصلاة فينقض أو داخلها فلا ، وفصل في الجديد بين القاعد المتمكن فلا ينقض وبين غيره فينقض ، وفي المهذب وإن وجد منه النوم وهو قاعد ومحل الحدث منه متمكن بالأرض فالمنصوص أنه لا ينقض وضوءه وقال البويطي ينقض وهو اختيار المزني . انتهى .

                                                                                                          وتعقب بأن لفظ البويطي ليس صريحا في ذلك فإنه قال : ومن نام جالسا أو قائما فرأى رؤيا وجب عليه الوضوء . قال النووي : هذا قابل للتأويل . انتهى ما في الفتح .




                                                                                                          الخدمات العلمية