الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة

                                                                                                          887 حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحق عن عبد الله بن مالك أن ابن عمر صلى بجمع فجمع بين الصلاتين بإقامة وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل هذا في هذا المكان حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن إسمعيل بن أبي خالد عن أبي إسحق عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله قال محمد بن بشار قال يحيى والصواب حديث سفيان قال وفي الباب عن علي وأبي أيوب وعبد الله بن مسعود وجابر وأسامة بن زيد قال أبو عيسى حديث ابن عمر في رواية سفيان أصح من رواية إسمعيل بن أبي خالد وحديث سفيان حديث صحيح حسن والعمل على هذا عند أهل العلم لأنه لا تصلى صلاة المغرب دون جمع فإذا أتى جمعا وهو المزدلفة جمع بين الصلاتين بإقامة واحدة ولم يتطوع فيما بينهما وهو الذي اختاره بعض أهل العلم وذهب إليه وهو قول سفيان الثوري قال سفيان وإن شاء صلى المغرب ثم تعشى ووضع ثيابه ثم أقام فصلى العشاء فقال بعض أهل العلم يجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامتين يؤذن لصلاة المغرب ويقيم ويصلي المغرب ثم يقيم ويصلي العشاء وهو قول الشافعي قال أبو عيسى وروى إسرائيل هذا الحديث عن أبي إسحق عن عبد الله وخالد ابني مالك عن ابن عمر وحديث سعيد بن جبير عن ابن عمر هو حديث حسن صحيح أيضا رواه سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير وأما أبو إسحق فرواه عن عبد الله وخالد ابني مالك عن ابن عمر

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن عبد الله بن مالك ) بن الحارث الهمداني روى عن علي وابن عمر وعنه أبو إسحاق السبيعي وأبو روق الهمداني ذكره ابن حبان في الثقات كذا في تهذيب التهذيب ( صلى بجمع ) أي بالمزدلفة ( فجمع بين الصلاتين بإقامة ) استدل به من قال بالجمع بين الصلاتين في المزدلفة بإقامة واحدة ، وهو قول سفيان الثوري كما صرح به الترمذي .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن علي وأبي أيوب وعبد الله بن مسعود وجابر وأسامة بن زيد ) أما حديث علي لينظر من أخرجه . وأما حديث أبي أيوب فأخرجه البخاري ومسلم عنه أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة ، ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار وزاد : بإقامة واحدة . وأما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه البخاري موقوفا عليه وأما حديث جابر فأخرجه مسلم مطولا في قصة حجة الوداع وفيه : حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما . وأما حديث أسامة بن زيد فأخرجه البخاري ومسلم . وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها العيني في عمدة القاري والطحاوي في شرح الآثار .

                                                                                                          قوله : ( حديث ابن عمر في رواية سفيان أصح من رواية إسماعيل بن أبي خالد وحديث سفيان حديث حسن صحيح ) حديث ابن عمر في الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة [ ص: 538 ] بإقامة واحدة ، متفق عليه .

                                                                                                          قوله : ( والعمل على هذا عند أهل العلم أنه لا يصلي صلاة المغرب دون جمع ) قال العيني : قال شيخنا زين الدين -رحمه الله- : كأنه أراد أن العمل عليه مشروعية واستحبابا لا تحتما ولا لزوما ، فإنهم لم يتفقوا على ذلك ، بل اختلفوا فيه فقال سفيان الثوري : لا يصليهما حتى يأتي جمعا وله السعة في ذلك إلى نصف الليل فإن صلاهما دون جمع أعاد ، وكذا قال أبو حنيفة : إن صلاهما قبل أن يأتي المزدلفة فعليه الإعادة وسواء صلاهما قبل مغيب الشفق أو بعده عليه أن يعيدهما إذا أتى المزدلفة .

                                                                                                          وقال مالك : لا يصليهما أحد قبل جمع إلا من عذر . فإن صلاهما من عذر لم يجمع بينهما حتى يغيب الشفق وذهب الشافعي إلى أن هذا هو الأفضل . وأنه إن جمع بينهما في وقت المغرب أو في وقت العشاء بأرض عرفات أو غيرها أو صلى كل صلاة في وقتها جاز ذلك ، وبه قال الأوزاعي وإسحاق ابن راهويه وأبو ثور وأبو يوسف وأشهب ، وحكاه النووي عن أصحاب الحديث ، وبه قال من التابعين عطاء وعروة وسالم والقاسم وسعيد بن جبير ، انتهى .

                                                                                                          ( فإذا أتى جمعا وهو المزدلفة جمع بين الصلاتين بإقامة واحدة ولم يتطوع فيما بينهما وهو الذي اختاره بعض أهل العلم وذهبوا إليه ، وهو قول سفيان الثوري ) . قال العيني في العمدة : الذي قال بإقامة واحدة قال بحديث الزهري عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جمع بين المغرب والعشاء بجمع بإقامة واحدة . وكذا رواه ابن عباس مرفوعا عند مسلم ، انتهى .

                                                                                                          ( قال سفيان وإن شاء صلى المغرب ثم تعشى ووضع ثيابه ثم أقام فصلى العشاء ) روى البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن يزيد [ ص: 539 ] يقول : حج عبد الله يعني ابن مسعود -رضي الله عنه- فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة أو قريبا من ذلك فأمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين ثم دعا بعشائه فتعشى ثم أمر فأذن وأقام ، قال عمرو : ولا أعلم الشك إلا من زهير وصلى العشاء ركعتين الحديث . وهذا هو متمسك سفيان الثوري لكنه موقوف .

                                                                                                          ( وقال بعض أهل العلم : يجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامتين يؤذن لصلاة المغرب ، ويقيم ويصلي المغرب . ثم يقيم ويصلي العشاء وهو قول الشافعي ) قال النووي في شرح مسلم : الصحيح عند أصحابنا أنه يصليهما بأذان للأولى وإقامتين لكل واحدة إقامة . وقال في الإيضاح إنه الأصح ، كذا في العمدة .

                                                                                                          قلت : وهو المختار عندي ، ويدل عليه حديث جابر الطويل في قصة حجة الوداع أخرجه مسلم وفيه حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا .

                                                                                                          وفي هذه المسألة أقوال أخرى ذكرها العيني في عمدة القاري منها هذا الذي ذكره الترمذي قاله العيني : الثالث أنه يؤذن للأولى ويقيم لكل واحدة منهما وهو قول أحمد بن حنبل في أصح قوليه ، وبه قال أبو ثور وعبد الملك بن الماجشون من المالكية والطحاوي ، وقال الخطابي هو قول أهل الرأي . وذكر ابن عبد البر أن الجوزجاني حكاه عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله . قال الرابع أنه يؤذن للأولى ويقيم لها ولا يؤذن للثانية ولا يقيم لها ، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف حكاه النووي وغيره . قال هذا هو مذهب أصحابنا ، وعند زفر : بأذان وإقامتين ، قال الخامس أنه يؤذن لكل منهما ويقيم . وبه قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وعبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- وهو قول مالك وأصحابه إلا ابن الماجشون وليس لهم في ذلك حديث مرفوع ، قاله ابن عبد البر ، انتهى كلام العيني . قلت : روى البخاري في صحيحه عن ابن مسعود الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامة لكل منهما من فعله ، وقد تقدم لفظه ، وقد روى ذلك الطحاوي بإسناد صحيح من فعل عمر -رضي الله عنه- قال الحافظ في الفتح : وقد أخذ بظاهره مالك وهو اختيار البخاري .

                                                                                                          [ ص: 540 ]



                                                                                                          الخدمات العلمية