الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في المحرم يموت في إحرامه

                                                                                                          951 حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى رجلا قد سقط من بعيره فوقص فمات وهو محرم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة يهل أو يلبي قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحق وقال بعض أهل العلم إذا مات المحرم انقطع إحرامه ويصنع به كما يصنع بغير المحرم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( فوقص ) بصيغة المجهول أي كسر عنقه ، قال في النهاية : الوقص كسر عنق ، وقصت [ ص: 21 ] عنقه أقصها وقصا ، ووقصت به راحلته كقولك خذ الخطام وخذ بالخطام ، ولا يقال : وقصت العنق نفسها ، ولكن يقال : وقص الرجل ؛ فهو موقوص انتهى ( ولا تخمروا رأسه ) أي : لا تغطوه ( يهل أو يلبي ) شك من الراوي ، والجملة حال ، أي : يبعث ملبيا . قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان .

                                                                                                          قوله : ( وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق ) وهو قول الجمهور قالوا : لا ينقطع إحرام المحرم بعد موته ؛ فلا يغطى رأسه ، ويكفن في ثوبيه ، واستدلوا بحديث الباب .

                                                                                                          قوله : ( وقال بعض أهل العلم إذا مات المحرم ينقطع إحرامه ، ويصنع به ما يصنع بغير المحرم ) وهو قول الحنفية والمالكية ، واستدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه إذا مات ابن آدم انقطع عمله الحديث . رواه مسلم ، وأجاب العيني والزرقاني وغيرهما من الحنفية والمالكية عن حديث الباب بأن النبي صلى الله عليه وسلم لعله عرف بالوحي بقاء إحرامه بعد موته ، فهو خاص بذلك الرجل ، وبأنه واقعة حال لا عموم لهما ، وبأنه علله بقوله : فإنه يبعث ملبيا ، وهذا الأمر لا يتحقق في غيره وجوده ؛ فيكون خاصا به ، قال صاحب التعليق الممجد ـ بعد ذكر هذه الأجوبة ـ ما لفظه : ولا يخفى على المنصف أن هذا كله تعسف ؛ فإن البعث ملبيا ليس بخاص به ، بل هو عام في كل محرم حيث ورد يبعث كل عبد على ما مات عليه أخرجه مسلم ، وورد من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة أخرجه الحاكم ، وورد أن المؤذن يبعث وهو يؤذن ، والملبي يبعث وهو يلبي . أخرجه الأصبهاني في الترغيب والترهيب ، وورد غير ذلك مما يدل عليه أيضا كما بسطه السيوطي في البدور السافرة في أحوال الآخرة ، فهذا التعليل لا دلالة له على الاختصاص ، وإنما علل به ؛ لأنه لما حكم بعدم التخمير المخالف لسنن الموتى نبه على حكمه فيه ، وهو أنه يبعث ملبيا فينبغي إبقاؤه على صورة الملبين ، واحتمال الاختصاص بالوحي مجرد احتمال لا يسمع ، وكونه واقعة حال لا عموم لها إنما يصح إذا لم يكن فيه تعليل ، وأما إذا وجد وهو عام فيكون الحكم عاما ، والجواب عن أثر ابن عمر يعني الذي رواه محمد عن مالك عن نافع أن ابن عمر كفن ابنه واقد بن عبد الله ، وقد مات محرما بالجحفة وخمر رأسه ، أنه يحتمل أنه لم يبلغه الحديث ، ويحتمل أن يكون بلغه وحمله على [ ص: 22 ] الأولوية ، وجوز التخمير ، ولعل هذا هو الذي لا يتجاوز الحق عنه ، انتهى كلام صاحب التعليق الممجد ، وقال الحافظ في فتح الباري : قال أبو الحسن بن القصار : لو أريد تعميم هذا الحكم في كل محرم لقال فإن المحرم كما جاء أن الشهيد يبعث وجرحه يثعب دما ، وأجيب بأن الحديث ظاهر في أن العلة في الأمر المذكور كونه كان في النسك ، وهي عامة في كل محرم ، والأصل أن كل ما ثبت لواحد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت لغيره حتى يتضح التخصيص انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية